مصالح "القاعدة" و"الإخوان" تلتقي في إسقاط الدولة المصرية

اجتثاث الإخوان لن يتحقق إلا بتصفية التنظيم الدولي والجماعة أداة في يد أجهزة المخابرات العالمية تحركها لخدمتها.

محمد الحمامصي

يحول الدعم العالمي للإخوان المسلمين دون تراجع دور الجماعة في مصر وقبولها بواقع ما جرى من ثورة 30 يونيو وما ترتب عليها من عزل محمد مرسي وخارطة الطريق الجديدة والسعي إلى العبور بمصر إلى بر السلامة، بل يدعمها في تصعيد عملياتها الإجرامية والتخريبية.

يشكل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عقبة في مواجهة التخلص من الجماعة وحلفائها مع التيارات الإسلامية الأخرى التي تتغلغل في الدول العربية والإسلامية والعديد من الدول الأوروبية، وذلك بما يملكه من تمويل واتصالات وتحالفات إقليمية ودولية مع أنظمة حكم وأجهزة استخباراتية ومؤسسات اقتصادية وإعلامية، وهو ما يساند ويدعم وجود الجماعة على امتداد العالمين العربي والإسلامي.

حول هذا التنظيم ودوره في الحاضر والمستقبل كان لنا هذا الحوار مع الباحث (أحمد بان) المتخصص في شؤون جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي، والذي قدم العديد من المؤلفات والبحوث حول تيارات الإسلام السياسي.

بداية أكد أحمد بان أنه من المبكر الحديث عن فكرة سقوط التنظيم الدولي للإخوان، وقال "التنظيم الدولي يعكس تواجد الإخوان في 80 دولة حول العالم، وقوته في قوة إيمان الأفراد بالفكرة وليس في مدى قبول المجتمع الدولي بفكرته من عدمه. وبالتالي الاجتماع على فكرة أو أيديولوجيا معينة هو الذي يعطي القوة.

هذه حركة اجتماعية وسياسية تجذّرت في الواقع المصري واستطاعت أن تنتشر في العالم. من المبكر الحديث عن انتهاء التنظيم الدولي الذي هو صيغة أصبحت أكثر صرامة تنظيميا منذ عام 1982، وأقصد بالصرامة هنا شكلا من أشكال التماسك التنظيمي الشديد، والمركزية الشديدة في إدارة أموره".

وأضاف "قبل هذا التاريخ كانت الصيغة أقرب إلى شكل من أشكال التشاور بين أعضاء التنظيم على امتداد العالم، اكتسبت هذه الصرامة التنظيمية مع تأسيس وإشهار لائحة التنظيم الدولي في العام 1982 على يد مصطفى مشهور الذي كان يملك مهارات تنظيمية قوية ويمتلك فكرة عمل تنظيم حديدي أكثر قوة وصلابة، ومن ثم ما لم تكن هناك رغبة دولية في تصفية هذا التنظيم فستبقى الفكرة هي الناظم الرئيسي بين هذه المجموعات على امتداد العالم، وإن كان - بلا شك - تراجع التنظيم في مصر يؤثر على أطرافه في العالم كله".

وشدد الباحث على أن "التنظيم الدولي لن يسقط ما لم يجر تنسيق بين الحكومات، "لقد تحول التنظيم من حلم حول أممية إسلامية أو إمبراطورية إسلامية، إلى هدف لأجهزة مخابراتية توظفه لحساب مصالحها وتجعل منه تناقضا مع الدول الوطنية التي تستهدف تحريك الأمور باتجاه مصالحها.

إن خيار التنظيم الدولي منذ البداية كان خيار الاختباء في معسكر الأعداء. يعني أنا لا أستطيع مناطحة هذه الإمبراطورية البريطانية في فترة والإمبراطورية الأميركية التي آل إليها ميراث الإمبراطورية البريطانية، فالخيار المفضل كان الدخول داخل الإمبراطورية البريطانية أو الاختباء داخل معسكر الأعداء ومحاولة تفجيره من الداخل أو التغلغل في داخله، وكل طرف يتصوّر أنه يوظف الطرف الآخر لحسابه. في النهاية الجماعة والتنظيم الدولي تم توظيفهما لخدمة هاتين الإمبراطوريتين دون أن يظفرا منهما بشيء".

الدعم المالي

حول حقيقة ما يملكه التنظيم من مليارات وشركات عابرة للقارات قال أحمد بان "الحقيقة أن جماعة الإخوان بعد تعرض مشروعها في مصر لأكثر من ضربة على امتداد العهود المتوالية سواء في العهد الملكي أو عهد جمال عبد الناصر أو السادات أو حتى مبارك، راكمت مجموعة من الخبرات الحركية والتنظيمية، واستطاعت أن تصل إلى نتيجة مفادها أن وجود أموال أو أصول للجماعة في مصر يجعلها عرضة للحظر والتصفية والتجميد، وبالتالي عند إشهار لائحة التنظيم الدولي في العام 1982 بدأت الاستثمارات تتجه إلى الدولة التي تحظى فيها الجماعة بوجود قوي وظروف الواقع الاقتصادي فيها يسمح بتأسيس كيانات اقتصادية تابعة للجماعة، فأسست مجموعة من الكيانات سواء في ماليزيا أو إندونيسيا وجنيف وبعض العواصم الأوروبية بأسماء أفراد من أجل تأسيس الجسد الاقتصادي للجماعة أو الإمبراطورية الاقتصادية التي تجري أمورها وسط حلقة ضيقة من أعضاء اللجنة المالية داخل الجماعة برئاسة خيرت الشاطر".

أما بالنسبة إلى الدول التي ساهمت في دعم وتمويل تأسيس التنظيم الدولي ماليا ومعنويا فأشار أحمد بان إلى أن "هناك عواصم أوروبية تعتبر ركائز التنظيم الدولي حتى الآن، بالإضافة إلى الدعم الخليجي الذي خرج مما يسمى بالتنظيم الموحد في الخليج، الذي هو تنظيم الإخوان في دول الخليج.

وكان هذا التنظيم الداعم الأكبر مالياً للجماعة سواء من خلال أعضائه المصريين المقيمين أو الذين هاجروا إلى هذه البلاد وحصلوا على جنسيتها أو الذين يستوطنونها منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى مواطني هذه الدول وبعض أعضاء الأسر المالكة التي نجحت الجماعة في تجنيدهم أو إقناعهم بالفكرة، فضلاً عن عواصم أوروبية كجنيف ولندن وميونخ، إلى جانب واشنطن".

ووفق الباحث أحمد بان يضمّ "مكتب الإرشاد الدولي 13 عضواً منهم 8 أعضاء مصريون و5 أعضاء من دول العالم، فالأغلبية الساحقة فيه للمصريين، إبراهيم منير، أحد أهم قياداته، مسؤول عن المكتب الإعلامي في لندن، إبراهيم الزيات، في ألمانيا، يوسف ندا ينهض بالدور الاقتصادي بالأساس".

التقاء المصالح

حول ما إذا كان التنظيم الدولي هو من يمول العمليات الإرهابية في مصر أوضح أحمد بان "أن جزءاً كبيراً مما يجري في مصر هو شكل من أشكال التقاء المصالح ووحدة الهدف بين المجموعات "التكفيرية"، المرتبطة بـ"القاعدة"، التي كانت تظن أن دولة الإخوان حلقة وسيطة قبل إنشاء الدولة الإسلامية الكاملة في تصورها في مصر، وشعور هذه المجموعات بالصدمة مما حدث جعل أعضاءها يشتركون في هدف واحد مع الإخوان هو إسقاط هذه الدولة المصرية التي تقف حجر عثرة في طريق إقامة الدولة الإسلامية بعدما انتهت دولة الإخوان الوسيطة في تصورهم.

لذلك هم يستهدفون الدولة، استهدفوها قليلاً أيام مبارك وصمتوا خلال العام الذي تولى فيه محمد مرسي الحكم على أمل أن تؤسس هذه الدولة دولتهم الإسلامية. وبمجرد انتهاء أو انتفاء دولة الإخوان الوسيطة دخلوا على الخط بشكل كبير وبدأوا يصعّدون من عملياتهم. والجماعة الآن توفّر الغطاء السياسي لهذه المجموعات، فاتساع نطاق العمليات المرتبطة بتنظيم أنصار بيت المقدس وغيره من المجموعات في الفترة الأخيرة يشي بأننا أمام حاضنة ما لهذه المجموعات".

ولفت أحمد بان إلى أنه "قد لا يكون هناك ارتباط عضوي كامل بين أعضاء "أنصار بيت المقدس" والعناصر "التكفيرية" المشابهة وجماعة الإخوان لكن هناك شكل من أشكال تقاطع المصالح والرغبة في مساندة دولة كانوا يعتقدون أنها دولة وسيطة في مشروعهم".

وأكد الباحث أن ما يجمع بين الإخوان و"تنظيم القاعدة" هو "إسقاط الدولة وإسقاط مؤسساتها لبنائها على المقاس الإسلامي الذي يتصورونه".

رأى أحمد بان أن حجم استثمار الأميركان في هذا المشروع الإخواني يفوق طاقتهم في أن يزهدوا فيه ببساطة، وعمق وقدم العلاقات بين الإخوان والأميركان يؤشر على أننا أمام تحالف استراتيجي بدأ مبكراً.

وأشار إلى أن "مستقبل الجماعة مرتبط بعنصرين: الأول مرتبط بتوجهات النظام السياسي الجديد، وعمل انفتاح ديمقراطي حقيقي، يسمح بنزع فتيل الغضب داخل جسد الإخوان والجماعات المتعاطفة معهم.

والثاني حركة مراجعة تأخرت طويلاً داخل الجماعة قد تقودها بالضرورة، في حال توافر شروطها، إلى الابتعاد عن الفضاء السياسي لفترة تستعيد فيها بناء قناعات جديدة ونظريات جديدة للعمل السياسي تفصل فيه، بشكل واضح وحاد، بين الوظيفة الدعوية والوظيفة السياسية. أما إذا لم تنخرط في هذه المراجعة، وسعت إلى أن تبقى وفق الصيغة الملتبسة بين كونها حزباً وجماعة، قد تدخل في صراع طويل مع النظام السياسي، صراع أعتقد أن ملامحه الرئيسية ستكون معركة من الخارج وليس من الداخل، معركة قانونية وإعلامية من خلال التنظيم الدولي".

فكر الجماعة الآن، حسب الباحث أحمد بان، يتمحور بين نقل المعركة إلى الخارج أو القبول بتسوية مع النظام السياسي والبقاء رقما في المعادلة السياسية، أو العودة إلى العمل السري وهذا خيار كارثي. فوفقاً لما جرى للشخصية الإخوانية لن تكون هي الشخصية الإخوانية قبل 30 يونيو، ستكون أكثر عنفاً وأقل ميلاً للاندماج مع الدولة، وأقل قبولاً لفكرة الدولة المدنية الحديثة وأكثر استعداداً والتماهي مع المجموعات "التكفيرية" العنيفة في مصر.

"العرب" لندن 11/2/2014