الحوثيون ورقة إيران في اليمن

حركة الحوثيين تضيف الانشطار المذهبي إلى المشهد اليمني، وتستخدمه أداة لمطامحها، ومطية لطهران التي لا تبدد فرصة لإعمال نزعتها التدخلية.

محمود الريماوي

من يستمع إلى أحاديث للناطقين باسم الحوثيين (نسبة إلى بلدة حوث) يخال أن المتحدث من "حزب الله" الإيراني/اللبناني، أو من "الحرس الثوري" الإيراني. ناطق شاب باسم الحوثيين (علي البخيتي) تحدث إلى قناة "الجزيرة" الثلاثاء الماضي 4 فبراير عن "سلفيين وجهاديين في صفوف قبيلة حاشد ينتمون إلى 83 دولة"!. وهي العبارة التي يروق لوليد المعلّم ترديدها عن الحال في بلاده في معرض شيطنته لانتفاضة الشعب السوري.

في العام 2007 سمع كاتب هذه السطور في عمّان من عبد الكريم الإيراني السياسي اليمني المخضرم أن لليمن حصتها من "الهلال الشيعي". في تلك الآونة كان الحوثيون يشكلون تنظيم "حزب الحق" (لاحظ التسمية الشبيهة باسم "حزب الله") ثم "الشباب المؤمن" ويسعون للتواجد في البرلمان اليمني.

الآن هناك تنظيم عسكري كبير يحمل اسم "أنصار الله" ويرفع راية سوداء، ويخوض معارك مع قبائل حاشد، وينجح في تأمين طريقه إلى العاصمة صنعاء، كما ينجح في شق صفوف حاشد، ويدفع زعماء قبليين منها للتمرد على القيادة التاريخية لآل الأحمر. وهو ما حدث بالفعل. بقول ناطقهم إنهم مواطنون يمنيون يرغبون في الذهاب إلى صنعاء وهذا حقهم كمواطنين.

لكن المتحدث الشاب الذي كان مزهواً بانتصارات "أنصار الله"، لم يبين في حديثه التلفزيوني إذا ما كان التوجه للعاصمة سيتم بصفة مدنية سلمية أم بجحافل مُعسكرة. في هذه الأثناء تشهد العاصمة صنعاء منذ مطلع ديسمبر الماضي انفجارات تستهدف مقرات حكومية (وزارة الدفاع) وسفارات أجنبية (سفارة فرنسا). وما زالت هوية الفاعلين مجهولة. وما هو معلوم أن هناك استهدافاً لمؤسسات الدولة لشلّ قدراتها. في وقت ما زال فيه الوضع الجنوبي على حاله من الاضطراب الأمني الشديد، مع وجود غير خاف لتنظيم "القاعدة"، وتصعيد سياسي من قبل التيار الأكثر تشدداً في "الحراك الجنوبي" والمتمثل في تيار الرئيس السابق لجنوب اليمن علي سالم البيض، الذي يقيم حالياً في بيروت بعد مغادرته مسقط، ويحاط وجوده ونشاطه في العاصمة اللبنانية بتكتم شديد.

ينتمي الحوثيون إلى مدينة حوث وهم زيديون يتبعون زيد بن علي. ويضمّون فرقاً منها "الهادوية" المعتدلة التي لا تناصب السنة العداء، و"الجارودية" المتشددة الاثني عشرية الجعفرية وهي أقرب إلى الولاء لـ"ولاية الفقيه" و"الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وتُجمع مصادر متعددة على أن زعماء الحوثيين بدر الدين الحوثي ونجله حسين نسجوا علاقات مع طهران منذ عام 1994 وأنهم يوفدون طلاباً يمنيين للدراسة في إيران بمنح إيرانية. وأن تسليح جماعات الحوثيين قد تصاعد بصورة مطردة، وسبق لها أن خاضت معارك واسعة مع الجيش اليمني إبان عهد علي عبد الله صالح، وأن هذه الجماعات تتحدى حالياً القبائل المسلحة الأخرى محتفظة بقدرات قتالية وتجهيزية كبيرة ومتنامية، دون أن تفصح عن مواردها ومصادر تمويلها، ولكن الهوية المذهبية للجماعة واضحة، في جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة (حتى الآن) 24 كلم عن العاصمة صنعاء.

وبينما ظلت التشكيلات التقليدية في اليمن تتم على أساس قبلي ومناطقي عابر للمذاهب، فإن الحوثيين يجتمعون على أساس مذهبي صرف ويستقطبون الأنصار والموالين على هذا الأساس، وهو ما يشكل تغييراً في الخارطة الاجتماعية، خاصة إذا ما علمنا أن ما بين ثمانية إلى تسعة ملايين يمني يدينون بالزيدية (من أصل نحو 24 مليون نسمة) كان من بينهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح دون أن يكون الرجل مذهبياً.

تتم تعبئة الأنصار في المخيمات والمراكز الدينية والجوامع والمدارس تحت شعارات "الموت لليهود وأميركا"، والتمرد الذي قاده الحوثيون على حكم صالح بدا الآن تمرداً على الدولة لا على النظام، وبدليل أن تجهيزاتهم العسكرية وجهوزيتهم القتالية بقيت على حالها، إن لم تكن زادت بعد الإطاحة بالحكم السابق، وبينما يحرص الحوثيون على الحوار الوطني (كحال "حزب الله" في لبنان) فإنهم يحرصون بقدر أكبر على تنمية قدراتهم التسليحية والقتالية و"الاستقلال" عن الدولة. وهو ما بدا في جولات الحوار الوطني على مدى العام الماضي. وقد أيد الحوثيون إعادة تنظيم الإدارات والمحافظات، وفي رأي مراقبين محليين فإن المواجهات مع قبائل حشد في عمران والخمري كانت تستهدف – استباقياً - توسيع رقعة نفوذهم وتواجدهم، بحيث ينفردون بالنفوذ في مناطق موسعة، تشكل منطلقاً "للدفاع عن مذهبهم" في كل مكان من أرجاء البلاد.

ومن المفارقة أن الحكم في اليمن لم يجد ما يقوله أو يفعله سوى الدعوة إلى وقف إطلاق النار والإشراف عليه بين الفريقين، ولكن دون الحديث، مجرد الحديث، عن جمع الأسلحة التي تظل في أيدي الحوثيين كما لدى قبائل حاشد، ودون الإشارة إلى حق القوى الأمنية في الانتشار داخل مناطق النزاع، ومنع الانتشار المسلح لأي طرف، وهو ما يؤسس لتوترات شبه دائمة.

وبطبيعة الحال فإن الموضوعية تقتضي القول إن هذا المشهد لسلفيين جدد نسبياً في اليمن، لا يكتمل تشخيصه دون الإشارة إلى مجمل الواقع السلفي في هذه البلاد، وحيث لعب "حزب الإصلاح" الإخواني دوراً مشهوداً في التأسيس للحركة السلفية السنية. ومن أحضان هذا الحزب وعلى ضفافه وهوامشه نشأت حركات "الجهاديين"، واجتذبت "القاعدة" عناصر لها. غير أن الواقع الخاص بالحوثيين يفيد أنهم استهدفوا الدولة في بداية تشكلهم في السنوات الأولى لعقد التسعينات، وأن نموهم واشتداد عودهم بعدئذ تساوقاً مع نمو الشيعة السياسية في لبنان ("حزب الله" و"حركة أمل") وفي العراق ("حزب الدعوة").

الآن، يتذرع الحوثيون بـ"وجود السلفية الإصلاحية والجهادية" كمبرر للدفاع عن وجودهم، تماماً كما يتحدث "حزب الله" عن "التكفيريين"، رغم أن تغول هذا الحزب الأخير على الحياة العامة والنسيج الاجتماعي في لبنان سابق بكثير على ظهور موجات السلفيين.

والأمر ذاته ينسحب على حوثيي اليمن، فوجود السلفيين قديم في هذا البلد ويربو على أربعة عقود، وإذا كان وجود السلفيين هو أمر سيئ في حد ذاته، فإن ظهور سلفيين جدد يستثمرون المذهب الزيدي يزيد الأمر سوءا، ويمعن في تهتيك النسيج الاجتماعي، ويهدد قيام دولة حديثة تحتكم إلى مبدأ المواطنة وإلى اقتصار حيازة السلاح على الدولة، ويفتح الباب لتدخلات إيرانية في اليمن (على غرار التدخل في البحرين) ويهدد الدولة الجارة المملكة العربية السعودية.

وإذا أضيف إلى ذلك ما يتردد عن تحالف مكتوم بين الحوثيين والتيار المتشدد في "الحراك الجنوبي" (بقيادة البيض الذي يستبعد المرء أن تكون إقامته في بيروت بمعزل عن تأثير "حزب الله" عليه) فلنا أن نتصور مدى قتامة المشهد في اليمن الذي يعاني العديد من الانشطارات، وها هي حركة الحوثيين تضيف من جهتها الانشطار المذهبي إلى هذا المشهد، وتستخدمه أداة وذريعة لمطامحها في الداخل، ومطية لتدخلات العاصمة الإقليمية طهران التي لا تبدد أية فرصة لإعمال نزعتها التدخّلية في المنطقة.

* كاتب أردني

"العرب" 7/2/2014