مأزق النظام والمعارضة في "جنيف 2"

ماجد كيالي

تنعقد المفاوضات، عادة، لسبب بسيط مفاده عدم قدرة طرف ما على حسم الأمر لمصلحته، إن بإزاحة الطرف الأخر، أو بفرض إملاءاته عليه، بوسائل الحرب أو الصراع المسلح. وفي الحالة السورية، مثلاً، ما كان يمكن طرفي الصراع، أي النظام والمعارضة، أن يقبلا بالذهاب إلى جنيف لو كان أي منهما يعتقد أن الأحوال تسير لمصلحته، في المدى المنظور، وبالاعتماد على قواه الخاصّة.

لكن التوجه إلى المفاوضات لا يعني أن الطرفين المتصارعين باتا جاهزين للتسوية، أو أن كل واحد منهما بات مقتنعاً بالتسليم للآخر، على العكس فثمة مايرجّح أننا سنكون إزاء مفاوضات طويلة ومضنية ومعقّدة، بذات القدر الذي شاهدنا عليه الوضع السوري، طوال السنوات الثلاث الماضية، بالأخص مع معرفتنا بأن الطرفين المعنيّين لم يقبلا خيار التفاوض عن طواعية، بقدر ما رضخا له تحت ضغط الفاعلين الدوليين.

وتفيد التجارب بأن التسويات، التي تنبثق عن المفاوضات، تنبثق من محددات عدة، أولها، موازين القوى في اللحظة المعيّنة. وثانيها، قدرات كل طرف وامكاناته، الكامنة او المستنفدة. وثالثها، المعطيات المحيطة ومداخلات الفاعلين الدوليين والإقليميين. ورابعها، قوة إرادة كل طرف، وضمن ذلك، أيضاً، مهارات التفاوض لدى كل منهما.

مع ذلك فإن الحقيقة الأساسية، التي ينبغي الانتباه إليها، تفيد بأن مستقبل سوريا بات رهن إرادات الفاعلين الخارجيين، على الأرجح، أكثر مما هو رهن مفاوضات الطرفين المتصارعينً، وهو ما أكدته المداولات والوقائع الحاصلة إبان التحضير للمؤتمر.

هذا يبيّن ثقل المهمة التي تقع على عاتق المعارضة، فهذه أول اختباراتها السياسية، مع وجود نقطة تحسب لمصلحتها سلفاً، وهي الانطلاق من مبدأ إنشاء "هيئة انتقالية" كاملة الصلاحيات، وهذا ما ينبغي التشبّث به. أما النظام الذي يبدو أكثر تماسكاً فهو، بدعم من روسيا، سيراوغ، بعدم أهلية المعارضة، وانقساماتها، وعدم وضوح مشروعها، كما بادعاء التركيز على محاربة الإرهاب.

بديهي أن النظام سيشتري الوقت، وسيحاول التملص من استحقاق الهيئة الانتقالية، مع مواصلته القصف والحصار، لذا ربما الأجدى للمعارضة، في غضون ذلك، الاشتغال على خطين متوازيين، أي الحض على تشكيل الهيئة الانتقالية، لإحداث التغيير السياسي في سوريا، وتحدي النظام، بوضعه في دائرة الاختبار، إزاء المجتمع الدولي، بالمطالبة بوقف القصف الجوي والمدفعي، ورفع الحصار، وفتح ممرات انسانية للإغاثة، والإفراج عن المعتقلين، وتمكين المشردين من العودة إلى بيوتهم.

إن الإصرار على هذه المطالب ليس مسألة ثانوية، وإنما هو على درجة عالية من الأهمية لتغيير الواقع السائد، الذي فرضه النظام، في العامين الماضيين، والذي كان من أخطر نتائجه إخراج المجتمع من معادلات الصراع، بعد تدميره للبيئات الحاضنة للثورة، وتشريد ملايين السوريين.

"النهار" البيروتية 21/1/2014