مؤتمر جنيف يعمّد المعارضة

ماجد كيالي

حسناً فعلت المعارضة السورية بمشاركتها في مؤتمر جنيف، فهذه هي الفرصة التي كانت تحتاجها لتثبت نفسها كهيئة سياسية، للثورة السورية، بعد أن أضاعت وقتاً كثيراً، واستنزفت جزءاً كبيراً من طاقتها، في الخلافات الداخلية، وفي وضع نفسها في مجال التجاذب من قبل هذه الدولة أو تلك.

في المحصلة فقد مكّنت هذه المشاركة المعارضة من تحقيق انجازين مهمّين، على الصعيد الداخلي، أولهما، تمثّل باستحواذها على ثقة غالبية السوريين، الذين كادوا يفقدون الأمل في إمكان وضع حد لهذا الخراب العميم، الذي أصاب بلدهم، لا سيما أن هذه المشاركة ساهمت باستعادة الخطابات الأولى للثورة، المتمحورة حول الحرية والكرامة والحق في التغيير السياسي. وثانيهما، تمثل بتعزيز مكانة "الائتلاف" إزاء الجماعات المسلحة، المحسوبة على المعارضة، والتي استمرأت ابتزازه، والتهديد بنزع الشرعية عنه، بدعوى أحقيتها في تقرير مستقبل سوريا، إذ أن الالتفاف الشعبي من حول المشاركة كشف عزلة هذه الجماعات، ومحدودية تأثيرها على مجتمع السوريين.

أما على الصعيد الخارجي، وعلى رغم أن مشاركتها في مؤتمر جنيف هي بمثابة التجربة السياسية الأولى لها، إلا أن المعارضة استطاعت خوض هذا الاختبار بنجاح يحسب لها، وربما بقدر فاق التوقّعات.

هكذا، ورغم كل الملاحظات على طريقة تشكيلها، استطاعت المعارضة أن تفرض نفسها كطرف ينازع النظام على الشرعية، لأول مرة في التاريخ السياسي لسوريا، منذ نصف قرن، وهذا ليس أمراً تفصيلياً في العقيدة السياسية لنظام تأسّس على شعار: "سوريا الأسد إلى الأبد".

أما في الإطار التفاوضي، في حدّ ذاته، فقد بدا وفد المعارضة منسجماً، وكصاحب قضية، مع إدراك عالٍ لأهمية اللحظة، ولأهمية استثمار منبر جنيف، لتعزيز مكانته إزاء مجتمعه وإزاء العالم، في مجال المعركة على الصورة وعلى الشرعية.

وفي العموم فقد نجحت المعارضة في تحقيق مكسب سياسي مهم، بفرض وجهة نظرها بشأن سحب الدعوة الموجّهة لإيران، كونها لم تعترف ببيان "جنيف 1"، وبشأن جدول الأعمال المتعلق بتشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات. ويأتي ضمن ذلك تحسّبها للمناورات، والمماطلات، التي يمكن أن يلجأ اليها وفد النظام، لفرض أولويات أخرى، وتضييع القضية الأساسية، أو لاستفزاز المعارضة، ودفعها للانسحاب، وبالتالي تحمّل مسؤولية إفشال المؤتمر. ففي كل ذلك أبدت المعارضة المرونة مع الحزم، وكأنها كانت متحسّبة لمناورات كهذه، إذ قبلت البدء في المفاوضات من مدخل القضايا الإنسانية، لكن مع شرط البحث بالنقطة الأساسية المتمثلة بتشكيل الهيئة الانتقالية.

حتى الآن، بدا وفد المعارضة أكثر تماسكاً وإقناعاً، على عكس وفد النظام، الذي بدا وكأن بقاء "الأسد" عنده أهم من مصير سوريا والسوريين.

"النهار" البيروتية 28/1/2014