الوزير السابق مروان حبش يكتب عن التفاوض

يتصل التفاوض اتصالاً وثيقاً بالحياة البشرية، وما دامت هناك حياة فهناك تفاوض لنزع الخلافات وتفادي تضارب المصالح، وترسيخ أسس وقواعد تقوم عليها العلاقات.

يفيد تعبير (التفاوض) بأن هنا مفاوضات من أنواع لا يمكن حصرها بسهولة لاتساع نطاقها في المجالات المختلفة الدبلوماسية والقانونية والاجتماعية، والتجارية، و...، وما يمكن إيجازه من أنواع التفاوض الرئيسة هي:

1 - التفاوض لإنجاز اتفاق لصالح الأطراف المتفاوضة، ويكون بانتهاج أطراف التفاوض مبدأ المصلحة المشتركة أو بما يعرف بمباراة (اربح- اربح) ويكون التركيز هنا على ما يُحَقق لصالح الطرفين، وهنا لا بد أن تساعد الأطراف بعضها البعض على العمل معاً وبصورة ابتكارية للوصول إلى اتفاقات محددة يستفيد منها الجميع، وتكون عندهم القناعة بأنه لا بد من الوصول إلى حلول وسط في قضايا التفاوض، والأفضل أن تكون الاستراتيجيات التفاوضية للمتفاوضين هي تطوير التعاون الراهن وتعميق العلاقة القائمة وتوسيع نطاق التفاوض ومده إلى مجالات جديدة.

2 - التفاوض من أجل مكسب لأحد أطراف التفاوض وخسارة الأطراف الأخرى (أربح - أخسر) ويحدث عندما لا يتحقق توازن في القوة بين الطرفين، وكذلك يحدث بسبب سوء اختيار أحد الأطراف لتوقيت التفاوض وحسن الاختيار من قبل الطرف الأقوى. أو يكون الهدف من التفاوض مرحلياً ولا تعني هنا النظرة المستقبلية كثيراً، والتي قد تتغلب فيها موازين القوى، وتكون استراتيجيات التفاوض، في هذه الحالة، تصارعية بإنهاك الخصم واستنزافه وإحكام السيطرة عليه.

3 - التفاوض الاستكشافي بهدف استكشاف النوايا والأجندات التفاوضية للأطراف المعنية، وقد يتم ذلك من قبل طرف وسيط أو من قبل الأطراف المعنية مباشرة.

4 - التفاوض التسكيني وهذا النوع من التفاوض يهدف إلى تسكين الأوضاع وربما تمييعها بسبب صعوبة البت بها أو لخفض مستوى التصارع والتناحر لصالح مفاوضات مقبلة تصبح الظروف فيها أكثر ملائمة لطرف أو للطرفين المتفاوضين معاً. ويتبنى هذا النوع من التفاوض إستراتيجية الاسترخاء بعدم الانسياق لضغوط الأحداث، بل التريث أو التجاهل حتى يتضح مدى أهمية ما يعرض أو يحدث، ويكون المقصود ، أحياناً، بتبني هذه الإستراتيجية أن الزمن سيكون هو العامل الأكثر تأثيراً في سير العملية التفاوضية وعلى إرادتها.

5 - التفاوض للتأثير في طرف ثالث ويحدث هذا النوع من التفاوض للتأثير في طرف ثالث مهم لجذبه نحو وجهة نظر معينة أو لتحديد دوره بخصوص صراع مع الخصم المباشر.

6 - تفاوض الوسيط، إن اللجوء إلى وسيط يكون محايداً ومتحرراً من قيود عديدة لا بد أن تخدم عملية التوافق بين المتفاوضين.

هدف وسبب التفاوض:

إن الصراع المستمر حول أي شأن لا يمكن أن يحقق طموحات أي طرف مهما كانت قوته انطلاقاً من قاعدة (من المحال دوام الأحوال)، وإن موازين القوى في حالة تقلب مستمر، ولذا يكون الوصول إلى حالة التعاون هو أفضل الصيغ من أجل أوضاع مستقرة ، ويمثل أفضل وسيلة لتحقيق التقارب وتبادل المنافع بين الأطراف المتصارعة، على أسس متينة، إن كانت بين دول أو بين فئات متصارعة داخل الدولة ذاتها أو بين مجموعات أو أفراد. وإن الأسئلة المبدئية التي يجب أخذ الإجابة عليه من أطراف التفاوض هي:

هل لديهم، وفي المفاوضات الهدف ذاته، وهل ينظرون إلى عملية تحقيق الهدف من الزاوية نفسها، وهل دخلوا العملية التفاوضية بشكل طوعي وفي ظل الافتراضات الرئيسية التالية:

-إنها ستجني أكثر من وراء الدخول فيها، عما ستجنيه في حالة عدم دخولها.

- إ ن كل طرف يعتمد على الآخر بالنسبة لنوعية النتائج التي سيخرج بها من العملية التفاوضية.

- إن العملية التفاوضية عملية متتابعة وحية وخلالها يتمكن كل طرف من الحصول على قدر أكبر من المعلومات حول موقف الطرف الآخر مما يساعد على بلورة مشاريع مضادة وتطوير الموقف التفاوضي بشكل أكثر دقة في ضوء هذه المعلومات.

وعندما تبدأ المفاوضات، فإنه من الضرورة معرفة أي نوع من التفاوض يريده المفاوض الذي يجلس قبالة المفاوض الآخر، ومعرفة قوة المساومة التي يمتلكها الآخر وبها تتحول المفاوضات إلى عملية مواجهة بالنسبة إلى الطرف الأضعف، بينما يعتبرها الطرف الآخر حلاًّ لمشكلات. ولذا على الطرف الأقل قدرة على المساومة ضرورة الخروج من فكرة (أن الأضعف هو المنهزم أو المغلوب أو الخاسر)، والإصرار على الثبات وتعظيم هامش القدرات كمفاوض. وأي تفكير غير ذلك يبعد عن المفاوضات وعن تحقيق أي من بنود أجندة التفاوض.

عرًّف البعض عملية التفاوض بأنها فن أو أسلوب تقديم التنازلات بين الأطراف المتفاوضة، وذلك بعد أن تكون الأطراف قد توصلت إلى حاجتها لهذا الحل الذي سينبثق عنه، سواء تلكأ طرف بالتنازل أو بالغ الطرف الآخر في مطالبه، و هذا الإدراك يوجب على المفاوض أن يتحمل المخاطر ويدخل في غمار التفاوض من خلالها، بعد أن يكون قد تغلب على مأزق الثقة والتعاون في عملية التفاوض، ونبذ كل ملامح ثقافة التناحر، وامتلك القدرة على إدارة الحوار التفاوضي المثمر، وتبنى في ممارساته التفاوضية أسلوباً ديناميكياً وابتعد عن التشبث بأجندات ستاتيكية، وتجنب نصب فخاخ وكمائن أسئلة لتبديد الوقت.

وتتأثر مدة عملية التفاوض بـ:

- أسلوب صنع القرار الخارجي المتعلق بمصالح دولة ما وبعلاقاتها الخارجية، ويكون إقراره سريعاً في دولة المؤسسات منه في الدول الشمولية أو الاستبدادية.

- تعدد الجهات المرتبطة بموضوع عملية التفاوض أو المتورطة في الصراع، ومدى اهتمام الوسطاء (إن وجدوا) ، وأثر ذلك على زمن إنجازها.

- مستوى التفاوض، إذ كلما كان المتفاوضون بمستوى عال كان الإنجاز أسرع.

- شخصية المفاوض ومهاراته التفاوضية وخبراته المتراكمة.

- الرأي العام ذي الأثر الذي لا يمكن إغفاله أو استبعاده، في توجيه عملية التفاوض ونجاحها.

المفاوض:

أولاً - هناك صفات ومزايا ومهارات بديهية يجب أن يتحلى بها المفاوض الناجح منها:

1 - أن يمتلك المقدرة على التخطيط واستعمال الوقت المتاح للملائمة بين الهدف والتخطيط.

2 - ان يعتمد عدة حلول وإمكانيات للعمل وللمقترحات والمساومة.

3 - أن يركز اهتمامه أثناء عملية التخطيط للتفاوض على المسائل التي تثير الخلاف والقضايا التي من شأنها تحقيق الاتفاق المحتمل في المشكلة موضوع التفاوض.

4 - أن يضع حداً أعلى وحداً أدنى لما يريد الوصول إليه في المفاوضات، ويكون في جميع مراحل التفاوض متقيداً بهذين الحدين وأن يضع مخططاً لمراحل سير المفاوضات.

5 - أن لا يقدم على تقديم اقتراحات مضادة فورية مقابل اقتراحات الطرف الآخر، لما لها من آثار سيئة وإرباكات على سير عملية التفاوض.

6 – أن يتلقى هجوم الطرف الآخر، (وكثيراً ما يحصل) ببرودة أعصاب ولا يتعامل معه كتحد يوجب الرد الفوري، بل عليه أن ينتظر ويفكر، وعندما يقرر الرد يجب أن يكون مبنياً على حجج وبراهين ووقائع.

7- أن يتقن طريقة طرح الأسئلة وتقديم الاقتراحات لما لها من تأثير كبير في تقدم المفاوضات ونجاحها.

8- أن يتحاشى إعلان مواقفه جهاراً وأن يدلي بالأسباب والحقائق المستندة إلى الوقائع ، وأن يؤكد استعداده لمتابعة عملية التفاوض.

9- أن يخلق عند الطرف الآخر الشعور بالراحة، وأنه متكافئ معه، ويستطيعان(الطرفان) تبادل الأفكار والآراء وطرح الأسئلة.

10- أن يتقن فن الاستماع للطرف الآخر، ويمتلك اللياقة والكياسة ولين الكلام من غير إسهاب في إظهارها وقصر استعمالها على تليين طبيعة الحوار، لتجنب الصدام والجفاف وعدم جرح شعور الآخرين.

ثانياً- مستوى المفاوض، إذ هناك مستويان رئيسيان للمفاوضين، وهما:

أ ‌- المفاوض على المستوى الاستراتيجي، وهذا يوجب امتلاك مهارات جيدة تؤهله ليكون صانعاً للقرار أو ضالعاً في عملية في عملية صنعه ورسم خريطة التعامل الشاملة، وتوقع ناتج العملية التفاوضية وآثارها على المدى القصير والمدى البعيد.

ب ‌- المفاوض على المستوى التكتيكي، وهو الأكثر مناسبة لأن توكل إليه مهمات تكتيكية وقتية ومحددة، وليس بالضرورة أن يكون ضالعاً في التفاوض الإستراتيجي.

الفريق التفاوضي:

يجب على أعضاء الفريق التفاوضي الواحد أن يعملوا بشكل جماعي وإيجابي ليتكيفوا مع بعضهم البعض ويوظفوا خبراتهم بشكل أمثل في سلاسة إيجابية، وهذا يفوت على الفريق المقابل استنفار خلاف في فريق غير متعاون مع بعضه.

وعلى فرقاء التفاوض أن يكرسوا المفاهيم التالية:

1- مفهوم الاندماج، أي تحقيق قدر من الاندماج والتآلف والتلطف فيما بينهم بحيث يؤكدوا لبعضهم وبوضوح عن الرغبة الصادقة في اللقاء والتعامل والتعاون.

2- مفهوم الاستقلالية، بحيث لا يتعارض مفهوم الاندماج وتوظيف أدواته أو يؤثر على خصوصية واستقلال المفاوض (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)، أي نختلف من غير حرق الجسور، أوالوصول إلى حالة اللا تفاوض.

3 - مفهوم القوة (المادية، الثقل في الواقع، كفاءة التواصل التفاوضي ومدى استثمارها)، وقدرة التأثير على الطرف الآخر.

والمعلوم بأن الحديث عن علم السياسة، في وجه من وجوهه، يعني الحديث عن علم القوة أو القدرة، وهو مفهوم كثير التعقيد، ويرتبط المفهومان الأولان به، والمفاوض الناجح هو الذي يحسن صياغة هذه المعادلة التي تمكنه من تحقيق ناتج تفاوضي إيجابي.

3/2/2014