هل لبنان على موعد مع 7 أيار جديد

مي الخوري

تسود في أوساط جمهور "حزب الله" أجواء بأنّ (7 أيار) جديدة باتت على الأبواب، ما لم يبد فريق 14 آذار مرونة ويقبل بتشكيل حكومة وحدة وطنية ويتخلى عن طرح خيار حكومة حيادية.

فالحزب الذي انخرط في النزاع السوري حتى النخاغ الشوكي، بات يشعر بأنّه يستنزف على الجبهة الداخلية اللبنانية، في ظلّ توسع الاستياء في صفوف قاعدته الشعبية، التي باتت تعلو أصوات من داخلها ترفض منطق انزلاق المقاومة إلى معارك من شأنها أن تهشّم في الصورة التي راكمها "حزب الله" من خلال مقاومته للاحتلال الإسرائيلي. ففي الجنوب، معقل "حزب الله"، تخرج بين الفينة والأخرى اعتراضات خجولة من قبل الأهالي، مع عودة جثامين أبنائهم وتشييعها في مآتم علنية بعد أن كان يتم ذلك تحت جنح الظلام الدامس. إذ أن عدداً لا يستهان به من الذين انخرطوا في صفوف "حزب الله"، يتحدر من أسر كانت في السابق شيوعية، ولطالما تفاخرت بمواجهة العدو الإسرائيلي وحذرت من انحراف البوصلة والانغماس في معارك عربية - عربية، ورفضت تحويل لبنان إلى أداة في يد إيران وتطبيق "ولاية الفقيه".

أمّا النخبة داخل الطائفة الشيعية، فهي تسعى إلى التحذير من مخاطر سلوك "حزب الله" من دون أن تملك القدرة على تقديم بديل آخر مقنع، وتقوم بمبادرات متواضعة بمحاولة مد جسور مع شخصيات من الطائفة السنية، إلا أنّها تراوح مكانها في ظل عجزها عن التعبئة التي يبرع فيها "حزب الله"، ووسط انكفاء لحركة "أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومحاولته التموضع بشكل محايد في مقاربته للأزمة السورية وتشديده على ضرورة الحل السلمي وجلوس كافة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، من دون أن يسمح بانغماس عناصر الحركة الشيعية الثانية على الساحة اللبنانية في الحريق السوري.

وقد سبق وعملت المعارضة السورية خلال معركة القصير على الطلب من شخصيات شيعية ومن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة التوسط لدى قيادات "حزب الله" لسحب عناصره من سوريا، محذرة من تداعيات ذلك على مستقبل العلاقات بين البلدين والشرخ السني – الشيعي الذي يتعمق على خلفية ذلك.

غير أنّ هذه الأصوات على رغم أهميتها، إلا أنها لم ترق إلى المستوى الذي يدفع "حزب الله" إلى مراجعة حساباته وسحب عناصره من سوريا.

فالحزب لا تزال لديه قدرة على استمالة جمهوره وإقناعه بأنّ قراره الاستراتيجي هدفه حماية وجودهم من المارد السني المتطرف والذي يرتدي عباءة "داعش" و"جبهة النصرة".

وتفيد مصادر مقرّبة من "حزب الله" بأنّه يلوّح للمعنيين بأنّهم سيكونون على موعد مع (7 أيار) جديدة، مستعيداً ما حصل في العام 2008، حين سيطر على بيروت وخاض مواجهات مع "الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة وليد جنبلاط في الجبل، وعاد ليفرض من خلال "اتفاق الدوحة" شروطه على جميع الأطراف على الساحة اللبنانية.

وتقول المصادر: "إذا لم يرد فريق (14 آذار) أن يصلّي على النبي، سيرى أن (7 أيار) كانت نزهة مقارنة بما ينوي فعله هذه المرة"، وتعزو المصادر ذلك إلى أنّ "حزب الله" بات يشعر بالاستنزاف على الجبهة اللبنانية، ورجاله لا ينامون الليل والنهار، بفعل هاجس التفجيرات الانتحارية التي باتت الضاحية الجنوبية لبيروت على موعد دائم معها. فضلاً عن ذلك، باتت قوة "حزب الله" موزعة بين جبهتين لبنانية وسورية. وبالتالي هو يريد حسم الأمور لبنانياً ليتمكن من مواصلة قتاله في سوريا، وليخفف من الضغوط التي يتعرّض لها ويزيح عن كاهله عبئاً ويضمن عدم تشتت قواه.

معلومات تقاطعت مع أخرى من داخل فريق (14 آذار) تفيد بأنّ وفداً من "حزب الله" زار البطريرك بشارة الراعي وأبلغه رسالة تحذيرية مفادها، إن ذهبت في دعم الرئيس ميشال سليمان في تشكيل حكومة أمر واقع، سنكون مجبرين على القيام بـ(7 أيار) جديدة، ونسف الاستحقاق الرئاسي، باعتباره يدافع عن الموقع المسيحي الأول، وهذا ما يفسّر عدول الراعي عن قراره، وفق ما تفيد المصادر، التي تتهم الراعي بسحب البساط من تحت أقدام سليمان وتركه من دون غطاء في حال قرر السير في حكومة أمر واقع.

في ظل هذه الأجواء، يمكن فهم أسباب إدارة جنبلاط محركاته وتصميمه محاولة إيجاد حد أدنى من التفاهم لتجنب ذهاب البلاد نحو الفراغ، وإبعاد شبح طائف جديد عن لبنان، تكون فيه للطائفة الشيعية مغانم مكرسة بنصوص دستورية في كعكة الحكم عما هو عليه الوضع اليوم.

وبخلاف ذلك، ترى مصادر رفيعة المستوى في (14 آذار) أنّ هذا التصعيد الإعلامي الذي يقوم به "حزب الله" لم ينطل عليها، ولا يمكن أن يترجم بانتصارات على الأرض. وتوضح المصادر أنّ الموقف داخل فريق (14 آذار) ليس مبنياً على الرضوخ لهذه التهديدات، وهم يدركون جيداً أنّ "حزب الله" في أزمة وهو مضطر إلى تغيير سلوكه، ولن يقدم على القيام بشيء على شاكلة (7 أيار).

وتؤكّد المصادر أن "الوضع السياسي لحزب الله لا يحتمل، وإيران مطلوب منها تغيير سلوكها، وكلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن أن حضور إيران إلى مؤتمر جنيف 2 لن يتم إذا لم يرافقه تغيير في سلوكها أبلغ دليل على ذلك، فضلاً عن وجود قرار دولي واضح بوجوب تحييد لبنان عن الصراع، وأن لا يبقى ساحة لتصفية النزاعات الإقليمية والدولية ومنع امتداد الحريق السوري إليه".

إلى جانب ذلك، تستند المصادر في قراءتها إلى أنّ وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" "السيد" حسن نصر الله حسين خليل، أبلغا الرئيس ميشال سليمان برغبة "8 آذار" في تشكيل حكومة جامعة بصيغة 8-8-8، وهو ما يمثّل تراجعاً في موقف هذا الفريق الذي كان يتمسك بالثلث الضامن في أية حكومة مستقبلية، ويصرّ على صيغة 9-9-6.

ويبدو أنّ الأمور تتجه نحو حكومة جامعة بالشروط الجديدة التي تحدث عنها النائب نهاد المشنوق، والتي تتضمن 5 أسئلة، وفي مقدمتها رفض مقولة "الشعب والجيش والمقاومة"، وعدم إدراجها في البيان الوزاري، وتخلي فريق "8 آذار" عن الثلث الضامن في أية حكومة جديدة، وحق "الفيتو" العادل للرئيس المكلف ورئيس الجمهورية على أي اسم يطرح عليهم من القوى السياسية. فعلى سبيل المثال، لو أراد سليمان أو تمام سلام أن يختار وزيراً من هذا الفريق أو ذاك، يقدّم له اقتراح بثلاثة أسماء ليختار بينهم من دون أن يفرض عليه أي اسم.

وتؤكّد المصادر أنّه حتى موضوع وجود "حزب الله" في سوريا يبدو أن الحزب مقتنع ببحثه وترحيله إلى طاولة بعبدا. وتذكّر المصادر بكلام نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق، الذي يعتبر من صقور الحزب، الذي تحدث عن أنّ الحزب لا يقدّم تنازلات من موقع الضعف بل من موقع الحرص على مصلحة لبنان، ويقول: "بات المتشدد يبرر التنازلات للقبول بحكومة جامعة، وبالتالي نحن كقوى 14 آذار لا يجب أن نغرق في الحسابات الضيقة". وتقارب المصادر بموضوعية مسألة انسحاب "حزب الله" من سوريا.

وتوضح أنّ (14 آذار) رفعت شعار الانسحاب من سوريا، هذا الشعار سقفه عال وتفاوضي ويمكن أن يوضع على طاولة التفاوض وهو ليس مجرد أمر تطبيقي أو إجرائي، ويمكن أن تتم برمجة هذا الانسحاب على طاولة حوار في بعبدا. وفي حال تم التوافق على هذه الملفات الأساسية، ترجّح المصادر أن تصل الأمور إلى خاتمة سعيدة، ما لم يطرأ أي مستجد سياسي يعيد الأمور إلى المربع الأول.

14/1/2014