روحاني وأردوغان والأسد ثالثهما

موناليزا فريحة

التناقض الذي طالما اتسمت به العلاقة بين إيران وتركيا ليس غريباً بين الجارين الكبيرين المختلفين مذهبياً وأيديولوجياً، مصالح كبيرة في السياسة والاقتصاد، وتنافس أكبر على النفوذ والأدوار. بينهما الصداقة كما العداوة يجمعهما أصدقاء وخصوم مشتركون أيضاً. من لبنان إلى سوريا والعراق والخليج، غالباً ما دعمت إيران وتركيا معسكرين مختلفين. ومنذ تحول الثورة السورية حرباً دامية، عكر الأسد انسجاماً جمع طهران وأنقرة ودمشق والدوحة.

عندما زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان طهران عام 2012، ترك الرئيس السابق محمود احمدي نجاد ضيفه ينتظر ساعات قبل أن يستقبله بحجة وعكة صحية. في حينه كان الخلاف بينهما على سوريا في ذروته. كان أردوغان يحمل لواء الحل العسكري ضد نظام بشار الأسد، بينما يضع احمدي نجاد ثقل جمهوريته "الإسلامية" في دعم حليفه.

يختلف الوضع خلال زيارة أردوغان أمس واليوم لطهران، لا لأن الرئيس حسن روحاني تخلى عن الأسد، وإنما لأنه في حاجة إلى أردوغان ربما بقدر حاجة الضيف التركي إليه. فهل يتجاوزان "عقدة" الأسد إلى مرحلة من التعاون بينهما؟

يحتاج أردوغان إلى تعاون طهران يدرك تماماً حجم نفوذها لدى حكومة نوري المالكي في العراق وقدرتها على التعاون لحل خلافات نفطية عالقة. يحتاج إليها اكثر في سوريا التي باتت تمثل تهديداً أمنياً لبلاده وخطراً على مشروعه السياسي.

لا شك في أن أنقره بدلت لهجتها حيال الأزمة السورية. صارت تقر بأهمية الحل السياسي، وإن تكن مقاربتها للحل تختلف تماماً عن المقاربة الإيرانية. باتت تشعر بالخطر مع وصول الجماعات الإسلامية إلى حدودها مع سوريا، الأمر الذي لا يهدد أمنها واستقرارها السياسي فحسب، وإنما اقتصادها الذي أصابته الحرب السورية في الصميم. هذا فضلاً عن انحسار دور أنقرة في سوريا لحساب لاعبين إقليميين آخرين، في مقدمهم السعودية. وحتى نفوذها لدى الفصائل المعارضة تقلص، مع تراجع دور المؤيدين لها لحساب "داعش" وفصائل أخرى أقرب إلى خصومها الخليجيين.

أما طهران، فدفعت ولا تزال ثمناً باهظاً، مادياً ومعنوياً، لإبقاء الرئيس السوري في منصبه حتى الانتخابات المقبلة. ولئن أكسبها موقفها هذا ثقلاً إقليمياً، فهو زاد العداء لها في المنطقة والعالم. ومع سعيها إلى الخروج من عزلتها بعد دخول الاتفاق النووي بينها وبين الغرب حيز التنفيذ، وتحررها تدريجاً من القيود الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها، يمكن تركيا أن توفر لها جسراً في اتجاه علاقات طبيعية مع الخارج.

أياً تكن تداعيات المشاكل الداخلية التي يواجهها أردوغان، فقد تكون أنقرة أمام فرصة لاستعادة دور على الساحة الإقليمية. دور لن تنجح فيه قبل أن تثبت أنها لن تكون مجرد محام أو جسر عبور لطهران، وقبل أن تستغل حاجة طهران إليها لإقناعها بتغيير سياستها الخارجية في سوريا خصوصاً وتسهيل التوصل إلى اتفاق نووي دائم.

"النهار" البيروتية 29/12/2014