عندما يلعب بوتين
موناليزا فريحة
من منصة الشرف في ملعب (فيشت) في سوتشي، يرفع فلاديمير بوتين الجمعة الستار عما سماه "روسيا الجديدة". في افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية الثانية والعشرين، يطمح رجل الـ"كي جي بي" السابق إلى أن يعرض للعالم صورة بلد واثق من نفسه، وقوة اقتصادية مزدهرة، روسيا العائدة، من أوروبا الشرقية إلى "الشرق الأوسط"، والقادرة على مشاكسة أميركا وتقويض مشاريعها.
فعلاً، لم يدّخر فريق بوتين جهداً ليكون على قدر طموحات سيّده. نجح في تحطيم أرقام قياسية عدة حتى قبل بدء الأولمبياد. فسوتشي ستكون بلا منازع الأكثر كلفة في تاريخ الألعاب. هي الأولى تنظم في الشتاء في مدينة مناخها شبه مداري. والإجراءات الأمنية التي تواكبها هي الأوسع في تاريخ هذه الألعاب. ولئن كانت السياسة قد تسللت إلى دورات سابقة، فإن سوتشي لم تكن يوماً، منذ بدء الاستعدادات لها قبل سنوات، رهاناً رياضياً صرفاً.
منذ فوز بلاده عام 2008 باستضافة الألعاب الأولمبية، تباهى بوتين بأن روسيا عادت أخيراً إلى الساحة الدولية دولة قوية، دولة يحسب لها الآخرون حساباً وقادرة على الوقوف بنفسها. وفي السنوات الأخيرة، لم يوفر فرصة إلا اغتنمها لاستعادة مكانة بلاده، وإن يكن على حساب حقوق شعبه في الداخل وأحلام شعوب في الخارج.
الواقع أن العرض الذي يقدمه بوتين في سوتشي ليس إلاّ نموذجاً لما صارت روسيا في ظل حكم بوتين. فالمشروع العملاق الذي يستضيف الألعاب الأولمبية، وهو الأضخم في البلاد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، عالم مصغر للفساد وعدم الكفاية واحتكار الثروات في المجتمع الروسي. ففي تقدير عضو في اللجنة الأولمبية الدولية أن ثلث الخمسين مليار دولار التي يعتقد أنها أنفقت في سوتشي، قد نهب. أما الحصار الذي يضربه نحو 100 ألف ضابط وجندي على سوتشي من البر والبحر والجو، فليس إلا تذكيراً بالاضطرابات المستمرة في شمال القوقاز وبحجم "الخطر الإسلامي" الذي لا تزال تواجهه روسيا على رغم الحملات الدموية التي شنها بوتين نفسه هناك.
وفي الخارج، يحق لبوتين التباهي بأنه أعاد بلاده إلى الساحة الدولية، غير أن ثمن هذه العودة كان باهظاً لموسكو والعالم. في ذروة مواجهتين مفتوحتين بينه وبين الغرب في سوريا وأوكرانيا، يتطلع بوتين إلى سوتشي لتسجيل انتصارات جانبية، ولكن كبيرة. لا الخطط الأميركية والأوروبية لانتزاع كييف منه ستعكر عليه فرحته، ولا التهديدات الإرهابية شلت قدرته على التحرك. وحتى يمر "عرس" سوتشي بسلام، لا شيء يمنعه من أخذ الأسلحة الكيميائية السورية رهينة!
"النهار" بيروت 5/2/2014