أوكرانيا تحدّد مسار سوريا

موناليزا فريحة

ينقل محللون سياسيون عن وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسينجر قوله مرة أن روسيا، منذ أيام القيصر بطرس الأكبر، تتوسع بما يعادل مساحة بلجيكا كل سنة. ورث الاتحاد السوفياتي الإمبراطورية الروسية التي أصابها الوهن، وتغيرت حدوده مع تعاقب الأحداث التاريخية، حتى صار أكبر دولة في العالم، طبعاً قبل أن ينهار هذا التوسع مع انهيار الكتلة الشيوعية. ولكن مع الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتبر نفسه وريثاً شرعياً لتلك الإمبراطورية، لا توفر موسكو فرصة للتمدد مجدداً تارة في دول شرق أوروبا تارة وطوراً في القوقاز. وليست "الغزوات" الروسية البعيدة، وتحديداً في سوريا، وأخيراً مصر، بعيدة من حسابات الإرث المفترض لـ"القيصر بوتين".

بعد (ترانسنيستريا)، الجمهورية الانفصالية التابعة لمولدافيا، وأبخازيا وأوسيتيا الانفصاليتين التابعتين لجورجيا، والتي وضعتها موسكو تحت نفوذها المباشر، ها هو بوتين يعيد الكرّة في القرم الأوكرانية. على طريقة حرب العصابات، وتحت جنح الظلام، سيطرت القوات الروسية على شبه الجزيرة الاستراتيجية بحجة "حماية " الروس هناك. والواضح أن لا شيء سيثنيه عن تشجيع حركات انفصالية أخرى في أية جمهورية سوفياتية سابقة تتجرأ على الانعطاف غرباً والابتعاد عن فلك الكرملين.

والمفارقة أن بوتين الحريص جداً على وحدة الأراضي السورية، والذي لا ينفك ووزير خارجيته سيرغي لافروف يهاجمان التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول، لم يفكر مرتين عندما تعلق الأمر بمنطقة له فيها مصالح استراتيجية. هذه المبادئ الظرفية للرئيس الروسي باتت تتطلب رداً منسقاً يتجاوز مجرد كلام مستعاد من الرئيس باراك أوباما بأن "موسكو تقف إلى الجانب الخاطئ من التاريخ".

بعدما توعد الغرب موسكو بـ"ثمن"، يفترض أن يكون هناك رد سياسي واقتصادي حقيقي. ثمن بحجم النزاعات الداخلية والنزعات الانفصالية التي سيثيرها التدخل الروسي في القرم. ثمن لا يكون على غرار عواقب تجاوز "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما للرئيس السوري. ثمن قد يتطلب تجاوز المخاوف من رد محتمل لروسيا بقطع الغاز عن أوروبا أو وقف التعاون في المفاوضات النووية الإيرانية. لن تترك موسكو أوكرانيا في حالها، هي بالنسبة إليها أهم من سوريا، وإن تكن ستحاول عدم الخسارة في أي منهما. أما الاختبار الأكبر في هذه المواجهة فهو لأميركا. من شأن استراتيجية أميركية ناجحة للرد على بوتين، أن تتجاوز بتداعياتها شرق أوروبا إلى النزاع السوري، لا لأنها ستعوض التقصير الغربي في وقف حرب دموية تنهي قريباً سنتها الثالثة، وإنما لكونها قد تطلق دينامية جديدة بين واشنطن والعرب وتفتح أفقاً جديداً للتعاون بينهما في أكثر من نزاع.

"النهار" بيروت 5/3/2014