تفاهمات كيري لتمديد مفاوضات نتنياهو!

عبد اللطيف مهنا

انهى كيري جولته التصفوية العاشرة وغادر المنطقة ليعود إليها لبدء جولته الحادية عشرة. غادر المنطقة على خلاف ما كان قد أوحى به، أي لم يختتمها بإعلان "اتفاقية الإطار" التي يسعى لفرضها، والتي دار ويدور الآن الجدل حول ما يسرَّب بالقطارة من غامض بنودها، لكن كيري المغادر والعائد لا يزال المصرُّ على ذات الإيحاءات إياها، بل وبأن موعد إعلانه عن منجزه لن يطول انتظاره.

في توالي التسريبات المقصود لبنود إطاره والاختلافات والتوافقات بين الصهاينة والأوسلويين حولها، واللعثمة الأوسلوية الملتوية المعقبة على بعض ما يسرَّب منها، وفائض التطمينات التي يزفُّها القادة الصهاينة لجمهورهم حول تمسُّكهم بثوابتهم التي لن يحيدوا عنها، يضاف لهذه وتلك لقاء كيري بـ"لجنة المتابعة العربية" في باريس قبيل عودته، ما يعضِّد إيحاءات كيري ويرجِّح من احتمالات انجازه لإطاره التصفوي الذي يسعى لفرضه، أو في هذا كله ما يقول لنا بأن هناك في الأمر ما يتم طبخه وأن رائحته قد بدأت تفوح.

عن يائيرليبيد، رئيس حزب "هناك مستقبل" تنقل صحيفة "يدعوت احرونوت" قوله بأن "هناك تقدماً حقيقياً في المفاوضات الجارية"، وتنقل ذات الصحيفة عن الجنرال يعلون، وزير الحرب، تأكيداته لضباطه وجنده في احدى الثكنات بأن كل ما ستسفر عنه هذه الجارية، أو جوهر اطار كيري، هو "تفاهمات لتمديد المفاوضات" ليس إلا، أي تماماً ذاك الذي يريده الصهاينة منها، أو ما أبلغه نتنياهو لكتلة حزبه في "الكنيست" حين قال لهم إن "اسرائيل تحاول تمديد المفاوضات لعام آخر"!

في التسريبات، وهى تأتي هذه المرة من رام الله، أن كيري، وفي سبيل تذليل العقبات، سوف يلتقي بـ"لجنة المتابعة العربية"، أو هذه التي وضعت جانباً واستلت من جراب النسيان من جديد للقيام بدورها المنشود في نسج الغطاء العربي اللازم للتنازلات الأوسلوية التي يريد الأميركي فرضها، لاسيما ما يتعلق منها بالتفاهم حول القضايا التي كانت توصف بالأصعب، كعودة اللاجئين والقدس، يضاف لهما غور الأردن، حيث يقال أن الخلاف حول مسألة اللاجئين مثلاً، قد بات يتعلق فحسب، بقبول الصهاينة لعودة (88) الفاً من الجيل الأول والثاني منهم، أي ممن هم قاب قوسين أو ادنى من الانتقال إلى جوار ربهم، بينما يرفع رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود عدد هؤلاء إلى مأتي الف! وحيث فيما يتعلق بالقدس يجري النقاش حول الإشراف على الحرم القدسي من قبل الأردنيين، فالكلام يدور حول قوات أميركية وأردنية مع مراكز أمنية صهيونية في غور الأردن، وبعدها تأتي مساءل من مثل، ما يوصف بتبادل الأراضي، وحكاية الحلول الاقتصادية، التي يجدر التذكير هنا بأنها في الأصل من ابتداعات نتنياهو التصفوية الخالصة.

في الجلبة الصهيونية الراهنة ما يعطي شيئاً من المصداقية لصحة هذا الذي يجري تسريبه، أو يتم اطلاق بالونات التسريبات بغية التوطئة والتمهيد له ومن ثم تمريره، والذي دفع صحيفة كـ"يدعوت احرونوت"، ليس لتوقعه فحسب، وإنما أيضاً لعنونة أحد معلقيها لمقاله له بـ"بيبي على موعد مع التاريخ"، ونعني هنا المشاريع المزمع تقديمها "للكنيست"، كقانون فرض السيادة الصهيونية على غور الأردن، المقدم من حزب "البيت اليهودي"، وقانون حظر التفاوض حول القدس، المنوي تقديمه من قبل كتلة "يهودوت هتوراة"، وقانون عضوة "الليكود"، أو حزب نتنياهو نفسه، ميري ريغف، الرامي لمنع رئيس حكومة الكيان من إدارة مفاوضات حول القدس واللاجئين، ثم إعلان الوزير بينيت بأن حزبه لن يوافق على مفاوضات على أساس حدود 67، بل وسينسحب من الحكومة في مثل هذه الحالة، وإعادة وزير الخارجية ليبرمان لطرح مشروعه القديم الجديد والإصرار عليه حول تبادل السكان. بيد أن أكثر ما يرجِّح ذلك، أو دنو أجل إعلان إطار كيري العتيد، هو عودة بنيامين نتنياهو مجدداً لإشهار لاءاته واشتراطاته التصفوية إياها والتأكيد عليها، وكنا قد تحدثنا عنها تفصيلاً في مقالنا السابق. ففي توجهه لأعضاء كتلة حزبه في "الكنيست" قال إن "في وثيقة المبادىء التي تتبلور أمور لا نحبها أنا وأنتم، لكن فيها أمور لا يحبها الفلسطينيون"، لكنني "لن أسمح بدولة ثنائية القومية، والحديث لا يدور حول تجميد الاستيطان في التفاوض، هذا ليس وارداً، والمفاوضات ليست على تفكيك المستوطنات، ولا أنوي إخلاء أي مستوطنة في يهودا والسامرة"، وفأضاف، "لا أنوي التخلي عن الكتل الاستيطانية، ولا عن رموز التراث، مثلاً، الخليل"! ولأن نتنياهو هنا يقرن القول بالعمل، كان الإعلان عن خطط تهويدية جديدة كبناء 272 وحدة سكنية في مستعمرات الضفة، كـ"عوفرا" شرقي رام الله، و"كارني شمرون" شمالي نابلس.

لم يصدف وأن تقاطعت مصالح الأطراف المشاركة في بازار تصفية قضية الأمة في فلسطين كما هو حاصل الآن، الصهاينة في حاجة فحسب للوقت لإنجاز التهويد الجاري وفرض مزيد من الأمر الواقع على الأرض، والأميركان في أمسّ الحاجة لإنجاز ما في سياستهم الخارجية قد يعين إدارة أوباما على ما تواجهه داخلياً، والأوسلويون يريدون التفاوض لأنه بات وسيلتهم الوحيدة للعيش والاستمرارية واستدرار "كرم المانحين"، وعرب المتابعة، أو نافضي اليد من القضية القومية، وفي ظل هذا الراهن العربي الأردأ، هم جاهزون أكثر من أي وقت مضى لتغطية تصفيتها، وعليه، فلا بأس لدى هؤلاء من اتفاقية إطار لتمديد جاري مفاوضات.

11/1/2014