المالكي الاستغاثة من الإرهاب خدعة لولاية ثالثة
د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي
فجأة ومن دون مقدمات يوهمنا "رئيس الوزراء العراقي" بأنه اكتشف مستعمرات "داعش" في الأنبار. يصفق له الحلفاء، شرقيين وغربيين، إقليمين ودوليين، فتتقدم قوات النخبة من "الفرقة الذهبية" ومكافحة الإرهاب للصولة على المعسكرات. تغطي سماء المنطقة طائرات أمريكية وغربية وصلت على عجل للمالكي تكريماً له على اكتشافه المثير! بينما يغطي أرض المعركة لهيب صواريخ (هليفاير) الأمريكية المتطورة، التي وصلت قبل موعد التسليم الرسمي المتفق عليه. توزع وزارة الدفاع العراقية صوراً للمعركة، تواريخها تشير إلى العام الماضي وما قبله مترافقة مع أصوات الأناشيد الوطنية!.
ترفع خيام المعتصمين السلميين من الأنبار، من دون أن يعثروا على "داعشي" واحد، ويُعتقل نائب محصّن من أبناء المنطقة بطريقة مهينة، ويُقتل شقيقه وبعض أفراد عائلته وحراسه الشخصيين بطريقة أكثر إهانة، حسب الصور التي نشرت، بينما تعلن "وزارة الداخلية" عن اعتقال زعيم ميليشيا "جيش المختار" بطريقة حضارية تراعى فيها كل حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ويمنع نشر أية صورة لعملية اعتقاله، حتى قال البعض من المشككين بالعملية السياسية الديمقراطية، بأنه يُحتجز في فندق خمسة نجوم بعز وكرامة.
تتوالى
بيانات وتصريحات "الجامعة العربية" و"مجلس الأمن" و"الدول الكبرى" حول المعركة،
ويتوالى الكرم الأمريكي والروسي بالمزيد من السلاح آخرها ستكون طائرات استطلاع
متطورة نوع (سكان ايغل) من دون طيار، كي تتكرر في العراق صور جثث الأبرياء
المتناثرة في اليمن وأفغانستان وباكستان بفعل ما يقال عن خطأ في تصويب هذه
الطائرات. تعلن الولايات المتحدة عزمها تدريب قوات عراقية أخرى على مكافحة الإرهاب،
ويفتح الأردن الشقيق ذراعيه مرحباً بهم كالعادة.!
كل هذه الحقائق التي أوردناها آنفاً ليست لقطات فيلم من رسم الخيال، بل هو حقاً ما يدور في العراق، لكن لا أحد يسأل لماذا أصبح الجيش يطوّق الأنبار وليس وادي حوران الذي قالوا أن فيه معسكرات "داعش"؟
ولماذا
يقصفون ليل نهار مدينة الفلوجة الباسلة وليس وادي الأبيض، الذي قالوا أنه ملاذ
الإرهابيين؟ ولماذا تعلن السلطات المختصة عن وجود عشرة آلاف متطوع للذهاب إلى
الأنبار في حرب يقول عنها "رئيس الوزراء" أنها "مقدسة"؟ بل تساءل الكثير من الأهالي
كيف دخلت قوات "داعش" والجيش يطوق الأنبار كالسوار، والطائرات ترصد كل حركة فيها؟
لقد تحول موضوع "القاعدة" و"داعش" إلى أداة للحصول على التفوق السياسي في الداخل،
وإلى مصدر مهم من مصادر الحصول على الدعم الخارجي السياسي والعسكري والتعبوي. فباسم
محاربة هذا الشبح المرئي واللامرئي، الحقيقي وغير الحقيقي، المصنوع والمُصنّع، باتت
السلطات تقتل وتعتقل مواطنيها وتحاصر المدن وتقصفها بكل أنواع الأسلحة وسط ترحيب
دولي.
إنه العصا السحرية التي بها الحاكم يبدأ حملته الانتخابية للفوز بولايات تصل مدى الحياة، وبها يعاد تأهيل الطغاة والقتلة وأميي السياسة ومعوقي الديمقراطيات الزائفة المستوردة من الغرب.
لقد عزف
المالكي طويلاً على وتر النظام السياسي السابق الذي كان يلقي عليه كل فشله حتى بات
الموضوع غير مقنع لعامة الناس، واليوم اكتشف طريقاً جديداً يعزز به نظريته الطائفية
من خلال الإعلان عن "الحرب على الإرهاب" في الأنبار، حتى جعل منه عقيدة يمارس
طقوسها يومياً ويحاول من خلالها الدخول السياسي عربياً ودولياً كـ"بطل قومي". لقد
بات "الرجل" مهوساً بالمنصب والولاية الثالثة فلابد من إيجاد عدو يخفي خلفه كل
عيوبه السياسية وفشله الذريع، ويقتل به الأبرياء ويعتقل الخصوم، ويبعثر النسيج
الوطني به، من خلال تأليب الطوائف بعضها ضد بعض بتهمة الإرهاب.
إنه الأسلوب الأمثل والوسيلة الأنجع له لشن الحرب على الآخرين، خصوماً سياسيين ومواطنين، لكنه خدع نفسه أو خدعه الآخرون عندما قدموا له مشورة فحواها أن ابدأ بمقاتلة أهل الأنبار تخضع لك كل المحافظات المنتفضة الأخرى، باعتبار الأنبار هي قمرة قيادة الانتفاضة المعارضة لسياساته، كما أنها سيطرة الطريق الواصل بين طهران ودمشق والشريان الحيوي لديمومة التحالف الطائفي في المنطقة.
لقد كان يُمنّي نفسه بربح نقطة جيو-سياسية فيها فيصوت له في الانتخابات القادمة أهل الأنبار، بالقوة والمال السياسي والاعتقالات، وبالرعب والإرهاب الذي تنشره قوات "سوات"، كي يقول لنا بأنه بطل وطني وليس بطلاً طائفياً، وأن منهجه عابر للطوائف والأقليات.
لقد توهم بأن وصول الدمية الأمريكية بان كي مون إلى بغداد، وبيان "الجامعة العربية" التي تشرعن دائماً قتل شعبنا العربي في كل الأقطار، وتوافد المسؤولين الأمريكان وغيرهم، هي أولى بشائر إعادة تأهيله لولاية ثالثة، لكن نسي تماماً أن السياسي الذي يجلس على كومة قش يبات كفزاعة الطير في حقول الأنبار، بل في العراق كله.
وبما أنه
وصل إلى السلطة بإرادة خارجية ومن يحاولون اليوم إعادة تأهيله باسم محاربة الإرهاب،
هم أيضاً أطراف خارجية، فلم يعد مهماً لدى المنتفضين من شعبنا إن تولى هو مرة أخرى
أو لم يتول، لأن تاريخ ما قبل الانتفاضة يختلف تماماً عن تاريخ ما بعدها، وأن
حقائقها السياسية باتت ثابتة على الأرض تفرض إرادتها وقوانينها على كل من يأتي أو
لا يأتي إلى المركز الأول في السلطة.
إنه يقاتل
اليوم في الأنبار ليس من أجل دحر "داعش" وغيرها.
إنه يقاتل
من اجل تأمين وجود له فيها في مواجهة حلفائه من البيت السياسي الشيعي أولاً، الذين
يتفوقون عليه بالتأثير المرجعي الديني – السياسي على الجمهور، كذلك في مواجهة شركاء
العملية السياسية من البيت السياسي السني، كي يتخلص من احتكارهم لهذا الطيف
ومناكفتهم له به.
إنه يريد
أن يقول للسحاب امطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك السياسي من كل شبر في العراق.
إنه الاستبداد الذي بات يتملكه حتى ظن أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة.
"القدس العربي" 20/1/2014