حكومة أمر واقع يقودها أضداد، هل تنجح في احتواء الشارع!؟

نبيل الزعبي - كاتب وصحافي - طرابلس / لبنان

ما كان لأجواء التبريد والتهدئة أن تحصل على الساحة اللبنانية، سياسياً، هذه الأيام، لولا إشارات الخارج الموعزة بذلك في كل من المعارضة والموالاة على السواء، انعكاساً لما صار معروفاً من تقارب إقليمي – إقليمي، سبقه البدء بفتح صفحة جديدة من العلاقات الإقليمية مع ما كان يعتبر "شيطاناً أكبر"، قلبت الطاولة على الحلفاء قبل الخصوم، لتعيد فرز المواقف السياسية من جديد وفقاً لما سوف تقتضيه مصالح "محور الشر" و"الشيطان الأكبر"، ولا غرابة في ذلك لمن ستصعقه المفاجآت.

وإذا كانت الحكومة العتيدة المنوي تأليفها، قد تألفت أساساً في نفوس الأطراف اللبنانية السياسية الموزعة بين (8 و14 آذار)، قبل أن تخط مراسيمها في النصوف الرسمية، فإن ما بدر من إحراجات بين أكثر من حليف وحليف، ستتبدد بدورها أمام ما يخشى انتظاره من مفاجآت جديدة في المستقبل القريب جداً، خصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة والدخول في مرحلة طويلة من الفراغ الرئاسي، كان لا بد من أن تشغره حكومة أمر واقع يصح فيها شعار "ليس بالإمكان أفضل مما كان" كإسقاط حقيقي على الواقع المرتقب، لا أكثر ولا أقل.

إن ابن طرابلس والضاحية وعرسال والهرمل وبيروت والجنوب والجبل لم يشعر بوطأة الموت المفاجئ، قدر شعوره بالغثيان والقرف مما يدور حوله من تدمير ممنهج لكل مظاهر الحياة في هذا البلد، كل العبارات صارت تضيق بأصحابها هذه الأيام، في ظل وقاحة الموت التي وحدها، لا تعرف الحذر أو الخوف من رصاصات القناص الغادرة والسيارات المفخخة أو الصاروخ الموجه.

ما عاد "الممانعون" يقنعون أحداً في ممانعتهم الموضوعة في قفص الاتهام، وما عاد "السياديون" يستقطبون معجباً في خطابهم المجوج الموجه للغرائز قبل العقول.

ماذا ينتظر هؤلاء من أناس عبر الموت من فوقهم ومن تحتهم في مجتمع عاجز ومعالجات عقيمة فاقدة لفعاليتها قبل أن تبدأ.

تباً لكل هذا المال السياسي والميليشوي الذي أفسد أخلاقاً وحطّم قيماً وغذّى عصبيات على حساب كل انشداد ووصل بالوطن.

تباً لكل الذين برعوا في التخريب وعجزوا عن البناء بما في ذلك ترميم ما دمروه في أضعف الايمان.

ليرحلوا جميعاً عن ظهرانينا وليأخذوا أموالهم معهم، فسبل العيش متوافرة لهم في الخارج لحيوات عدة، ويتركوننا نعيش في شظف ما تبقى لنا من حياة، ولكن بكرامة الأخيار.

حتى الموت لو سئل عنهم، لقال: أعياني هؤلاء، وحتى الشيطان لو صرّح فيهم لقال: تفوقوا علي في كل مكيدة.

وسواء صدقت نيات المتفائلين أو تحطّمت على صخرة التبدلات الإقليمية الجديدة، فإن الثابت الأكيد المرتقب للمرحلة المقبلة هو "التسويات" انطلاقاً من واقع إقليمي – خارجي آخر سيعيد ترتيب الطاولة اللبنانية من جديد، وما يجري اليوم "تناتش" سياسي ورسائل أمنية متفجرة متنقلة، لا يمكن أن يدخل وفق أي تحليل سياسي سوى في تحسين كل طرف ما سيكون له من حصة يريدها وافرة في الكعكة الوزارية المنتظرة.

لذلك فإن كل ما يطرح غداً على الأفرقاء المتفاوضين من شروط وشروط مضادة، سيذوب أمام غزارة اللغة العربية ومفرداتها وعلوم البلاغة والبديع والنحو فيها، بدءاً من صيغة الثلاث ثمانات إلى المداورة في الوزارات، ورفض الثلث المعطل، إلى ما ستتمخض عنه حاشية "لسان العرب" من توفيق بين مقولة "الجيش والشعب والمقاومة" وإعلان بعبدا والتي أثمرت موقتاً صيغة "ربط النزاع" حيث سبقتها صيغة "تدوير الزوايا" بوقت قصير.

وسواء رُبط النزاع أم تُرك طليقاً بلا قيود.

وسيّان، دُوّرت الزوايات أم تركت على حاديتها، كما يريد المتخاصمون.

ومهما علا صراخ الأشقاء الأعداء واشتد فجورهم في صراعهم المقبل على ما يمكن تحصيله من وزارات ومكاسب.

فإنهم سيتوافقون في ربع الساعة الأخير على حكومة الأمر الواقع كما توافقوا على التمديد للمجلس النيابي الحالي.

وهذه الحكومة بدورها لن تجترح المعجزات ما دام الموت هو الخبر الأكيد قبل كل مبدأ يحمله الحدث اليومي المثقل بالهموم والمفاجآت والأخطار.

وجلّ ما سوف ينتظر اللبنانيين من حكومة كهذه، هو إدارة الأزمة الداخلية وتداعياتها الخارجية سورياً وإقليمياً، فضلاً عما يمكنها تحقيقه من نزع فتيل الانفجار من الشارع اللبناني، لعدم بلوغه الأسوأ وتخطيه المحظور، هذا في أحسن الأحوال.. إن حصل التأليف.

27/1/2014