فلسطينيو سوريا بين "يا وحدنا" و"الدم الفلسطيني السوري واحد"
نصري حجاج
ربما لم يكن شعار "يا وحدنا" الذي أطلقه الفلسطينيون إبان الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام 1982 صالحاً وملائماً لتلك اللحظة، كما هو اليوم في تطبيقاته على وضع الفلسطينيين في سوريا وتحديداً في مخيم اليرموك. و"ياوحدنا" الثمانيني كان يقصد به الإشارة إلى ترك العرب والعالم للفلسطينيين في حصارهم من قبل "إسرائيل" في بيروت، ولكن "يا وحدنا" الفلسطيني السوري اليوم، يتجلى بكل وضوح في ترك فلسطيني سوريا من قبل جميع الأطراف في العالم، بما في ذلك الفلسطينيين أنفسهم، وأعني بذلك الفصائل جميعاً وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فكيف حصل ذلك؟.
خلال المواجهات الفلسطينية مع النظام السوري في السابق وعلى سبيل المثال مأساة مخيم تل الزعتر عام 1976 في لبنان وحرب المخيّمات بين عامي 1985 و1987. كانت معركة النظام ضد الفلسطينيين جميعاً، بمعنى ضد الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني أي منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها الوطنية وقرارها المستقل في تلك الآونة. وكانت هذه المعارك تعتبر معارك النظام السوري ضد الحركة الوطنية الفلسطينية، بغض النظر عن الأسباب ودون الدخول في تفاصيلها الآن. لقد كانت المنظمة جسماً موحداً يمثل الفلسطينيين وسياساتهم وطموحاتهم ووجودهم وكيانهم السياسي والاجتماعي والثقافي برمته.
أما اليوم فإن الفلسطينيين في سوريا ومنذ الحراك الثوري الشعبي السوري لإسقاط النظام، فإنهم وجدوا أنفسهم في قلب ذلك الحراك شاؤوا أم أبوا. فمنهم من وجد نفسه في هذا الحراك إلى جانب الشعب السوري الذي احتضنهم وعاملهم كإخوة وكمواطنين، وبالتالي تم اعتبارهم جزءاً من ثورة الشعب السوري في ثورته ضد النظام. ونستطيع القول أن الموقف الفلسطيني هذا، كان لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث موقفاً مستقلاً عن ممثليه من الفصائل والحركات، ولم يكن انخراط الفلسطينيين في الحراك الشعبي السوري نتيجة لسياسة هذا الفصيل أو ذاك، أو نتيجة لموقف قيادة المنظمة أو السلطة. وهنا تكمن الصعوبة القصوى في هذه المواجهة.
لقد وجد الفلسطينيون السوريون أنفسهم أمام وضع فصائلي فلسطيني مليء بالتناقضات؛ ففي الوقت الذي تتواجد فيه فصائل فلسطينية قوية بارتباطها بالنظام لناحية دعمها للنظام، ودعم النظام وحلفائه لها مالياً وتسليحياً. فإن هناك فصائل ليست على القوة نفسها بالعلاقة مع النظام، وإن كان هناك أفراد وكوادر اتخذوا موقفاً ثورياً إلى جانب الشعب السوري في ثورته ضد النظام.
الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام السوري منذ نشوءها في نهاية الستينات، أو منذ وجودها كحركات منشقة عن فصائل في السبعينات والثمانينات، والتي لم تكن في يوم ما متناقضة مع النظام السوري حتى في تلك اللحظات الصاخبة، حين اشتدّت المواجهات بين النظام السوري وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة في لبنان، وهذه الفصائل الموالية هي:
1 - الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة.
2 - طلائع حرب التحرير الشعبية - قوات الصاعقة.
3 - حركة فتح الانتفاضة.
أما الفصائل الفلسطينية التي اتخذت موقفاً محايداً من الصراع، وكان موقفها يصب في النهاية في مصلحة النظام السوري إبان الثورة السورية الحالية فهي:
1 - الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
2 - جبهة التحرير الفلسطينية (أبو نضال الأشقر).
3 - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
4 - جبهة النضال الشعبي الفلسطيني (خالد عبد المجيد).
جميع الفصائل المذكورة أعلاه إما قاتلت إلى جانب النظام السوري ضد الشعب السوري، أو أنها اتخذت موقفاً محايداً هو أقرب إلى النظام سياسياً وفكرياً ومالياً، لكونها تُموّل بميزانيات شهرية من إيران حليف النظام السوري مثل الشعبية والفلسطينية والنضال.
أما الفصائل الإسلامية الفلسطينية مثل "حماس" فهي وإن كانت تتخذ من دمشق مقراً لها، إلا أنها وبسبب نجاح "الإخوان المسلمين" في السيطرة انتخابياً على مصر وتونس، فإنها كجزء من حركة "الإخوان المسلمين العالمية"، اضطرت أن تنسحب من دمشق وتتخذ موقفاً مائعاً سياسياً من مجمل ما يجري في سوريا.
تبقى في الميدان منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، التي منذ البدء حكمت علاقتها مع النظام السوري على الرغم من الخلاف بينهما، فيما يخص التفاوض مع "إسرائيل" وموقف النظام من أوسلو وحلفه السابق مع حركة "حماس"، إلا أن المنظمة استطاعت ولحاجة النظام لها أساساً في أزمته الراهنة أن تغيّر موقفها وتبدو داعمة له وهذا ما تجلى في زيارات قيادات من المنظمة والسلطة إلى دمشق، والإشادة ببشار الأسد وعدم إظهار الاهتمام بالفلسطينيين وبمأساتهم في سوريا. مقابل أن يعيد النظام بعض أملاك حركة "فتح" في سوريا من عقارات ومكاتب ومزارع، كان النظام أعطى لـ"فتح الانتفاضة"، الحق في السيطرة عليها بعد انشقاق "فتح" عام 1983. أضف إلى ذلك أن السلطة الفلسطينية، التي طردت من غزة بعد فوز "حماس" في الانتخابات وموقف "حماس" من الثورة السورية وانسحابها من دمشق، وجدت فرصة ذهبية للحلول مكان "حماس" في الأحضان الدافئة للنظام السوري، وكل ذلك مقابل الموقف من مشاركة الفلسطينيين إلى جانب الحراك الشعبي السوري واتخاذ موقف هو أقرب إلى النظام منه إلى الحيادية.
وجد فلسطينيو سوريا أنفسهم لأول مرة في العراء الكامل، فلا فصائل تدافع عنهم ولا سلطة فلسطينية تتدخل عربياً ودولياً لصالحهم. وبذلك نستطيع القول إن المسألة الفلسطينية في سوريا ليست مسألة وطنية، بمعنى أنها ليست جزءاً من الهمّ الوطني الفلسطيني وأُقصيت لتكون مجرد مسألة إنسانية هشة لم تجد من يرفعها إلى مقام التضامن الإنساني الحقيقي كما حصل في حصار غزة أو حصار رام الله. فإذا كانت المسألة الفلسطينية في سوريا ليست مسألة وطنية فلسطينية وذلك نتيجة وقوف الفلسطينيين شعبياً إلى جانب الشعب السوري، فأين موقف المعارضة السورية مما يجري بحق الفلسطينيين في سوريا؟
صحيح أن التدمير والقتل البشع الذي قام به النظام في المدن والقرى السورية والمجازر التي ارتكبها وحلفاؤه ضد مواطنيه، كانت أشدَّ وأكثر وحشية مما ارتكبه ضد الفلسطينيين في سوريا، إلا أن وقوف الفلسطينيين إلى جانب الثورة السورية جدير بالاهتمام وذلك لرمزية القضية الفلسطينية، ولخصوصية الوجود الفلسطيني في سوريا وعدم الشعور بالأمان والخوف من المستقبل لدى الفلسطينيين الذين ورغم تعاطفهم مع الثورة وطرحهم لشعار "واحد واحد واحد.. الدم الفلسطيني والسوري واحد"، وهو شعار طموح يلقي بأحلامه على مستقبل سوريا الديمقراطي من غير بشار الأسد ونظامه، إلا أنهم في الواقع لا يشعرون كمجتمع بأمان بما يحمله المستقبل لهم في سوريا.
يبقى أن مخيم اليرموك الذي هجر معظم سكانه الميسورين إلى الضواحي الدمشقية أو إلى خارج سوريا في لبنان ومصر ودول أوروبا لمن نجح في ذلك، لم يبقَ من سكانه الفلسطينيين الأصليين سوى الفقراء المعدمين الذين لم يجدوا فرصة ولم تتوفر لهم إمكانية حتى للخروج والسكن خارج المخيم.
إن المخيم المقام على أرض سورية في مفصل من مفاصل العاصمة، هو جزء من أرض الصراع بين القوى المناهضة للنظام والنظام وحلفائه. هو يتحمل - كما يتحمل السوريون فيه أو في كافة المناطق السورية - أعباء هذه الثورة وتناقضاتها، لكن الوجود الفلسطيني يبقى حاملاً لخصوصية اللجوء ما يميّزه عن بقية المناطق السورية التي تتحمل عبء الثورة، وهنا تكمن مأساته وكارثيته فلا المنظمة والفصائل تعتبره قضية وطنية تعنيهم، ولا المعارضة السورية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيته المرتبطة بعمق مأساة اللجوء وعدم توفر الشعور الحقيقي ولا الإطار القانوني بالرسوخ على الأرض السورية ولا شيء يطمئنه على مستقبله ما بعد الثورة.
* سينمائي وكاتب فلسطيني مقيم في بيروت
"العرب" 25/1/2014