مؤامرة على سوريا!

أوكتافيا نصر

اخترعوا "جنيف 1" و"جنيف 2" وعلى الأرجح أن السلسلة ستستمر، فتحصل الجماهير على التسلية والترفيه ساعات، فيما تنزف سوريا ويموت السوريون بالمئات يومياً.

في الثقافات العربية التي تعشق المسلسلات التركية المدبلجة إلى اللغة العربية بلهجة سورية متميزة، يبدو الناس لا مبالين بارتفاع حصيلة القتلى، وتفاقم أزمة اللاجئين، والاستقواء المستمر الذي يمارسه النظام، والتأثير المتنامي للمجموعات الإسلامية الدموية، والخلاف في صفوف المعارضة السورية واللامبالاة الخطيرة للمجتمع الدولي. يتفرّجون ويستمرّون في التفرّج ظناً منهم أنها مجرد مؤامرة وسوف يتغيّر الوضع في أي وقت وفي أي اتجاه. لكن الغد يحمل معه مزيداً من العملة نفسها.

لسوء الحظ يتواصل مسلسل جنيف فصولاً من أجل كسب الوقت، بينما تُحضَّر الصفقات الحقيقية في المطابخ الخلفية، وسوف تُقدَّم معلّبة وجاهزة للتنفيذ.

في حين يبدو الاسم مهماً - يسمّونها محادثات السلام في جنيف - يحضر وزير الخارجية السوري وليد المعلم المؤتمر ممثّلاً بشار الأسد.

شكراً لكم إعادتكم النظام إلى الأضواء من جديد ومنحه الشرعية التي فقدها منذ وقت طويل. ربما كنتم تتوقّعون منا الترحيب ببساطة بالجهود التي تُبذَل في جنيف واعتبارها الحل للمشكلات التي تتخبّط فيها سوريا. ربما كان يمكن خداعنا لو فُرِض على المعنيين معالجة الأزمة الإنسانية باعتبارها شرطاً مسبقاً لدعوتهم إلى المحادثات أو قبول مشاركتهم فيها. وكان يمكن أيضاً تضليلنا بعرض خطط ملموسة لتخفيف معاناة ملايين اللاجئين السوريين المشتّتين ومئات السوريين الذين يكادون يموتون جوعاً بسبب وقوفهم في وجه النظام.

عوض ذلك، حصلنا على "جنيف 2" الذي لا يُعقَد حتى في جنيف بل في مونترو، بما يضيف اللمسة الدراماتيكية للمناظر الخلاّبة في الخلفية.

ولعل أفضل تعبير عما آلت إليه المحادثات صدر عن عرّابها، ممثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي، عندما قال: "لم يتحقّق شيء". ولن يتحقٌق شيء ما دام الأفرقاء المشاركون في المؤتمر هم أنفسهم الذين حصلوا على شريان حياة جديد وأُجلِسوا إلى طاولة المفاوضات للحديث عن السلام، مع العلم أنهم ليسوا من سعاة السلام.

عندما تعاود المحادثات الأسبوع المقبل، لن يتحقّق شيء أيضاً. تحتاج سوريا إلى أفعال وليس إلى أقوال. الأفعال كلمة كبيرة، ولا يبدو أحد جاهزاً للمبادرة إلى الفعل. لكن البديل أسوأ بكثير، والمعاناة مستمرّة.

"النهار" بيروت 4/2/2014