الصفقة الأخيرة حكومة "حزب الله" الثانية

عديد نصار

في ظل انفلات أمني جديد يضرب عاصمة الشمال اللبناني طرابلس ويودي بمزيد من أرواح المواطنين، يخرج رئيس "تيار المستقبل"، النائب سعد الحريري عن صمته ليبرر مشاركة تياره وحلفاء له في "قوى الرابع عشر من آذار" في حكومة "وحدة وطنية" إلى جانب "حزب الله" وحلفائه من "قوى الثامن من آذار".

لقد مر أكثر من تسعة أشهر على تكليف النائب تمام سلام بتأليف الحكومة دون أن تسمح له الشروط المتصادمة التي تفرضها القوى السياسية إنجاز هذا التأليف. لتأتي الصيغة الأخيرة (8 + 8 + 8) موزعة على القوى الآذارية والوسطيين لتنسف المواقف التي بدت صلبة، وتبشر بالولادة القريبة للتشكيلة الحكومية.

كان واضحاً ميل رئيس الجمهورية ميشيل سليمان إلى تشكيل حكومة من خارج القوى المتحكمة بالساحة السياسية باصطفافيها الآذاريين، وقد دعم هذا الميل موقف "قوى 14 آذار" المعلن برفض الجلوس مع "حزب الله" في حكومة واحدة ما لم يسحب قواته المشاركة في الصراع على الساحة السورية إلى جانب النظام، أي ما لم يعد ويلتزم ببيان بعبدا الذي أسس لسياسة النأي بلبنان عمّا يدور في سوريا. ثم جاءت زيارة سليمان إلى السعودية، وكذلك زيارة الرئيس الفرنسي هولاند، والمساعدة السخية التي قدمتها السعودية للجيش اللبناني لتعزز هذا التوجه لدى رئيس الجمهورية في تشكيل حكومة محايدة، أي من خارج الاصطفافين الآذاريين.

لا شك أن الرهان على مواقف قوى التبعية هو دائماً رهان خاسر. فهي أعجز من أن تنتج سياسات ثابتة نابعة من معطيات الواقع المحلي والمصلحة الوطنية، أو أن تتخذ خيارات مستقلة نهائية، نظراً لارتباطها المصلحي البنيوي بأجندات مراكز الهيمنة. وحيث أن التنازع الإقليمي، المرتبط اليوم بالساحة السورية وما يدور فيها من تبدلات متسارعة، لم تتضح آفاقه بعد، فإن المساومات والمناورات السياسية الإقليمية لا بد أن تفرض نفسها بقوة على الساحة اللبنانية، لينعكس ذلك في تبدل مواقف الأطراف السياسية فيها.

من هنا شهدنا كيف تبدل موقف "14 آذار" وفي طليعتها "تيار المستقبل"، الذي وافق على تشكيل حكومة يشارك فيها إلى جانب "حزب الله" رغم أن شرطها الأساس المعلن، وهو انسحاب "حزب الله" من سوريا، لم يتحقق.

أما حول ما يساق من تبريرات من أن "حزب الله" قد قدم تنازلات معينة سهّلت موضوع التشكيل، فإن ذلك يؤكد مدى حاجة "حزب الله" إلى تواجده في أي تشكيل حكومي منتظر، وهذا كاف لإسقاط تلك التبريرات التي لا تساق إلا من باب التغطية على العامل الجوهري الذي أخّر، بالفعل، تشكيل الحكومة طيلة هذه المدة وهو الخروج من سوريا.

وحيث أن رئيس الجمهورية لم يستغل الموقف الداخلي المعلن لـ"قوى 14 آذار"، ولم يستفد من الدعم الإقليمي المتمثل في المساعدة السعودية للجيش اللبناني، ولا الدعم الدولي المتمثل في الموقف الفرنسي، فلم يسارع إلى تشكيل حكومة من خارج قوى التبعية السياسية، فإنه يحق لنا تصنيف التوجه الذي لوّح به منذ أشهر، في خانة الابتزاز السياسي الذي قد لا يكون القصد منه سوى ما أنكره الرئيس نفسه أكثر من مرة، أي تمديد ولايته.

وسيكون تشكيل حكومة (8+8+8) التي وافقت عليها جميع الأطراف تقريباً، إضافة إلى التمديد المرتقب لولاية رئيس الجمهورية، لا أكثر من فعل انتظاري لما سيكون عليه الحال في المنطقة وفي سوريا تحديداً، وهذا يمثل تأجيلاً إضافياً للانفجار العام في البلاد تحت وطأة واحد من عاملين يتسابقان لإشعاله.

التحريض المستمر على الانقسام العمودي طائفياً ومذهبياً، وما يترافق معه من انفلات أمني متنقل يأخذ هذا الطابع، ويأخذ معه عدداً متزايداً من أرواح المواطنين. الضغوط المتفاقمة للحالة الاجتماعية التي تضع كتلاً متزايدة من المواطنين المنسيين تحت غائلة البطالة والعوز والفاقة دون أي تمييز بينهم.

وإذا كان الفراغ والتعطيل لمؤسسات الدولة وسيلة ضغط متبادل بين القوى المتنازعة على مغانم السلطة، والمرتهنة لأجندات إقليمية ودولية قد أسهم في إضافة العامل الأمني على رأس لائحة القضايا الضاغطة التي يعاني منها المواطن اللبناني، فإن ملء هذا الفراغ بالطريقة التي تتوخاها تلك القوى لن يقدم حلولا لتلك القضايا. وهنا يبقى المواطن مكشوفاً يواجه بمفرده وحش الفساد وغيلان النهب واحتمالات البطالة والتهميش، ليكون لقمة سائغة في فم الغول الطائفي والمذهبي الذي يعِده بتحصين وضعه في مواجهة غيلان الوهم والابتلاع من قوى طائفية أخرى.

لقد حقق "حزب الله" خرقاً هاماً في موضوع تشكيل الحكومة التي يتوقع منها أن تؤمن غطاء، ولو مؤقتاً، لسياساته في الداخل كما في سوريا. فهل نرى انعكاسات ذلك الإنجاز على الساحة اللبنانية قبل تشكيل الحكومة؟ وهل سيسمح "حزب الله" لهذه الحكومة، إن تشكلت، أن تحكم؟

- كاتب سوري

"العرب" لندن 22/1/2014