مقومات نهوض تيار وطني ديمقراطي
عقاب يحيى
من حق، بل من واجب الوطنيين، والقوميين الديمقراطيين، أن يجدوا أنفسهم في تشكيل عريض، شأنهم شأن بقية الاتجاهات الفكرية والسياسية الكبرى في مجتمعاتنا.
من حقهم.. نعم، وذلك مشروع، ويملئ فراغاً - موضوعياً - لا يمكن لبقية الاتجاهات أن تكون بديله، مهما اقتربت، أو ابتعدت من أمهات القضايا الوطنية والقومية، ويجب أن يلتقوا حول المشتركات، وهي كثيرة، وان يضعوا أسس بناء تيار عريض يستوعب اتجاهاتهم ومدارسهم المختلفة، وأجيال الشباب المؤمنة بهذه التوجهات، والتي لم تعش حياة سياسية أو حزبية.
***
الحقوق كثيرة، ومشروعة، لكن قبلها، وضمنها، وعلى مدار مساراتها لا بدّ من عملية مراجعة شاملة، شجاعة، وعميقة، ونقدية، وحداثية، وتغييرية ليس لتجارب وممارسات قوى محسوبة على تلك الاتجاهات، وحكمت براياتها وحسب، بل لجوهر الأفكار التي شاعت وسادت، والتي تتناول أمهات قضايا الفكر القومي، من مفهوم الأمة، إلى القومية، غلى الوحدة، غلى العروبة ومكوناتها، إلى "الخصوصية" والدين على العموم، والدين الإسلامي بوجه الخصوص، وفلسطين، والديمقراطية، والأشكال الاتحادية المتعددة، وبناء تصورات عملية من نسغ التجارب والتطورات، وبما يلبي حاجات الشعوب والأوطان، وليس الذاتويات المتكلسة في سجون المعهود.
***
لنعلن بصراحة، وقبل أي حديث عن الخارج والمؤامرة، وما صار في تراتيب المشاريع الخارجية، منذ قرون، ووقوفاً عند الاستعمار ومخلفاته، و"سايكس وبيكو" وخرائط التقسيم والتفتيت، وزراعة الكيان الصهيوني في فلسطين.
أن العامل الذاتي كان ساحقاً واساساً لا يمكن التنصل من دوره، ولا تقزيمه، ولا رميه خلف آخر خارجي للهروب من واجب شجاعة تحمل المسؤولية، وإعلان التوبة عن أفكار ومنطلقات مشوّهة، وخاطئة، وذات اثر مباشر وكبير فيما وصلت إليه الأمة، وفيما نحن عليه الآن.
إن الاستبداد نتاج الأحادية واغتيال الديمقراطية، وتسليم العسكر مقاليد الأمور بشكل مباشر، أو من خلف الستار كان له الأثر الكبير في تغوّل الأحادية، وصولاً لمجيء الطاغية الأكبر، وما فعله في كل ميدان.
لقد أكدت الوقائع، حتى لو وضعنا جانباً كل أكوام التدخل الخارجي وفعلها العنيف، أن إشكالات كبيرة كامنة في جوهر المفاهيم التي أرست معالمها في فترة نهوض قومي كان التأثير الأوربي وردود الفعل فيها اقوى من عمليات التمحيص، والمراجعة.
يجب الاعتراف اليوم، أن كل الموبقات ارتبطت بتلك النظم التي حسبت نفسها على الاتجاهات القومية، وأن تفويت، ونحر المشروع النهضوي، التحرري، الوحدوي، الحداثي جرى على أيدي هؤلاء وقد تركوا البلاد قاعاً صفصفاً، إلا من ممارساتهم الآبقة، بما في ذلك اللعب بالنسيج الاجتماعي، وتعريض الوحدة الوطنية لأفدح الأخطار.
هنا، فالديمقراطية ليست "موضة" تفرضها المتغيرات، بل هي الخيار الرئيس لبناء الذات والمجتمعات والأوطان. هي النهج والوسيلة. الحاضن والبديل. ولا بدّ للاتجاهات القومية وهي تكفّر عن ماضيها أن تمارس فعل الديمقراطية، انطلاقاً من الاعتراف بالآخرين وحقوقهم ومساحاتهم، وبالمكونات القومية وموقعها، وبالعروبة انتماء حضارياً يرفض العنصرية، والعرقية، ويقرّ بما للآخرين من حقوق قومية وثقافية ولغوية وغيرها في إطار الدولة الواحدة ونظامها التعددي الذي يحقق المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.
كي يستعدي التيار الوطني الديمقراطي مصداقيته، ويبني جسور التواصل التي انقطعت مع الأجيال عليه فعلاً أن يجدد خطابه ويحدّثه ليواكب التطورات، ويكون معبّراً عن عقل واتجاهات الأجيال وأحلامها.
الجزائر 13/2/2014