الثورة هي الضامن لحماية أبنائها

عقاب يحيى

من يحمي الأقليات، وممن؟ بل من يحمي الشعب السوري من غول الحقد المجرم؟.

عمرها سورية ما عرفت التطاحن المذهبي.

وعمرها ما انجرفت إلى صراع بيني، بل كانت أنموذجاً للتعايش والغنى، بغض النظر عن تعدد الألوان، وعن وجود تباينات قامت على الاجتهاد، والتوزعات الطبقية، والفروقات بين المدينة ولريف، شأن معظم مجتمعات العالم.

عمره السوري ما كان يسأل: من أين أنت؟، ولم تك تهمه أصول الآخر: دينه ومذهبه، واصله القومي والعرقي، وكان الانقسام على اساس التوجهات الفكرية والسياسية هو الرئيس، رغم ما يعرفه "المجتمع العميق" من تفاعلات يلعب فيها الدين والمذهب والأصل القومي دوره في حدود المعقول، وبما لا يتجاوز الحدود الوطنية لسورية الموحدة.

***

وحده نظام الفئوية والحقد والاستبداد، من استغل الوضع الطائفي ليستند إليه ركيزة رئيسة في الحكم، ثم يموضعه في مفاصل الدولة الهامة: الأجهزة الأمنية والجيش، ومفاتيح الحكم، ثم ينشره وباء بديلاً، ويصدّره واجهة يخطف بها مجاميع مهمة يصوّر لها أنه حامي حماها من عدو يذبح على السكين.

فعلها منذ نشأته، ومرّكزها خلال الصدامات مع "الحركة الدينية" ومارس الفحشاء فيها وهو يستغل ممارسات وبعض تصريحات فجة اتسمت بالمراهقة وردّ الفعل لدى أعداد قليلة من أؤلئك الموترين في الحركة الدينية لتعميمها، وتنصيبها دريئة.

وحده سليل الإجرام من أراد أن يدفع ب"الأقليات" الدينية والمذهبية إلى أتون المحرقة دفاعاً عن وجوده، وبقائه، واستمراراً لمصالحه، وابديته، فلعب بهذه المركبات، وعمل على خنق الطائفة العلوية بتقييدها بأزلامه ومغتصبيه، ورشّ عوامل التخويف، وصناعة الرعب والقصص المروعة، مستفيداً من بعض التصريحات النزقة، وبعض ردود الأفعال الذاتية هنا وهناك، وصولاً غلى استثمار ممارسات "داعش" وأخواتها، والتي لم تك بعيدة عن أجهزته واختراقاته.

المجتمع السوري، حتى وهو يواجه الموت، والاغتصاب، وحرب الإبادة، وهو يشهد بعض التصعيد المذهبي، حين يغلو البعض في أطروحاتهم استثماراً لمشاريع حاصة بهم، أو تتلاقى ومشاريع خارجية معروفة، هو مجتمع متحضر ، متسامح، حريص على وحدة مكوناته، ومستقبله بعيداً عن الانتقام والثأر، وتجريم الآخر بجريرة القتلة المعروفين.

إنه الحامي الأكبر لنفسه، دونما حاجة ل"ضمانات" باتت مثل قميص عثمان، لكنه مستورد. وبالتالي فضمان حمياة "الأقليات" لن تكون إلا عبر السوريين أنفسهم، القادرين على فتح صفحة جديدة، وعلى التسامح حين ينهون نظام الجريمة والاستثناء، ويدشنون دولة الحريات والمساواة.

أكيد أننا لن ننسى دور المجرمين والقتلة، ولا ما قاموا ويقومون به.

وأكيد أيضاً أن الجراح الغائرة لدى شريحة واسعة من الشعب، الذين أصيبوا في أهلهم وذويهم، واليتامى، والأرامل، والمغتصبون والمغتصبات، والمعطوبون والمعذبون حتى الإذلال المريع، وكثير من شواهد حيّة، لن يغفروا لمن فعل ذلك بهم، لكنهم لن يلجأوا لانتقام ذاتي، وستكون المحاكم العادلة وأحكامها ردّهم.

نعم الثورة الحريصة على جميع فئات الشعب السوري، اطلقت مراراً صرخات هويتها، وشعاراتها لشعب واحد، وأعلنت مراراً خطابها المتسامح، وسعة صدرها في احتضان أبنائها، حتى لو أخطأ البعض منهم، أو أساؤوا إليها، أو وجها رصاصهم إلى صدرها، أو غدر البعض بها،أو التحق بالقاتل، مرتزقاً، او مُجبراً، أو رهينة.

بالمقابل، ونحن على أبواب العام الثالث،وأنظار البعض تتجه إلى " الحراك الداخلي" للمكونات القومية والدينية، الا يجدر أن نقف مطولاً عند العوائق التي حدّت حتى اليوم من مشاركة قطاعات واسعة منها في الثورة؟، وأن نناقش بمسؤولية واقع أبناء الطائفة العلوية، وسرّ وقوف معظمهم في خندق القاتل؟، وهل من وسائل لاختراق جدران الخوف، والاصطفاف، كي يلتحق هؤلاء بالثورة: مستقبلهم، وملاذهم، ووسيلتهم للتحرر والاندماج، والعمل مع بقية فئات الشعب؟؟.

الجزائر 25/1/2014