بعض من مناظر صارت مألوفة
عقاب يحيى
من مُخرجات الثورة، أو تفتيقات خارج نصها ارتفاع وتيرة البحث عن أصول البشر، بما فيهم المنتمين إليها، بل ولمن أمضى العمر في موقع المعارضة على خلفيات فكرية وسياسية لا علاقة لها بـ"المنبت" المذهبي الذي ولد فيه هؤلاء، ولا بمقدار تحررهم منه، ووعيهم للمشتركات الجمعية: الوطن، وأسبقيتها لديهم على أي شيء آخر: انتماء كان، أم حساباً لسائد بات ينظر إليك وفق المنطقة، أو الطائفة، وليس من خلال خيارك السياسي.
أعلم أن الوضع ليس بهذه البساطة، وأن اختلاطات مزحومة حدثت، ودفعاً لقعر المنتشر في المجتمع اعتلى سطح الظواهر، وأن كثيرين من المحسوبين على أنهم علمانيين، ويساريين، وليبراليين، وقوميين، لم يتخلصوا من شرشبات المذهبية، والتي تظهر بأشكال مختلفة، خاصة في المنعطفات، وعند الامتحانات، والثورة الامتحان الأكبر، والكاشف العميم. وأن موجاً سنياً مدفوعاً بكثير المبررات والوقائع يراد دفعه واندفاعه لتصوير الثورة على أنها صراع فئوي بين السنة، والعلوية، أو بين السنة والشيعة، وربما بين السنة والآخرين جميعاً مما يسمى بالمكونات والأقليات، خصوصاً وأن قسماً كبيراً من هؤلاء، ومتعاظماً في الطائفة العلوية لا يكتفي بالوقوف في خندق النظام بل يمارس التشبيح والقتل، وإصدار قرارات الإعدام المتنوع، والاغتصاب، وحتى الإبادة.
ولأن بعض اللوحات تثير السخرية، ففي أول اجتماع للهيئة العامة للمجلس الوطني، والبعض يتحدث عن تمثيل "المكونات" فيه، كان الشاب، القريب حسام القطلبي يتحدث عن نفسه بأنه نصف سلموني، نصف حلبي، فأكملت له بأننا صرنا واحد ونصف عن سلمية، ولعل ذلك يتناسب مع حسابات البعض، وتصنيفاتهم، وأعقبت: نحتاج يا حسام أن نقسمك قسمين، لنحافظ على حصتنا، فضحك الحضور، وإن بخلفيات متباينة.
في "الائتلاف" شاءت الصدف أن أكون الوحيد من أصل سلموني، ومن عائلة إسماعيلية مشهورة، وإن كانت منقسمة بين الأب والأم، وقد جئت "الائتلاف" ممثلاً لـ(الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية)، وليس عن سلمية بالتأكيد، وكان يمكن أن يكون غيري من يمثلها / ولا أدري في هذه الحالة إن كانوا سيبحثون عن شخصية سلمونية، أو نصف شخصية سلمونية - وفق الحصة، ومع ذلك كنت أسمع شيئاً عن ذلك يختلط بين الجد والمزح، وكان ذلك يثيرني ويستفزّ كوامن السخرية والتعليقات الحادة لدي، حيث أني رفضت عمري أن أكون أسير هذا الانتماء، وأصلاً لم أك يوماً، ولن أقبل أن أكون ممثلاً لطائفة أو منطقة، رغم كل اعتزازي بمنبتي ومسقط رأسي، وقد لمحت ذلك والحديث شغال عن وفد "الائتلاف"، والبحث عن "علوي" ضمنه، وأن أهل سلمية من القلة بحيث لا يحق لهم التمثيل، أو ليس مهماً وجودهم، وكأنني مرة أخرى مضطر لدخول سجن لا أطيقه، لكنها بعض مفردات شائعة في الهسيس، والعلن أحياناً، ومن أردية تدعي العلمانية، أو على حوافها، في حين كنت صريحاً برفض الحضور لو كنت مرشحاً فعلاً لأسباب كثيرة تتعلق بقناعتي، وتقديراتي، وموانعي.
ولأننا في حالة انفلاش، لم تعد هذه التوصيفات التي تتكرر تؤذينا كما كان الحال أول أشهر الثورة، لكن، والثورة حرية، والثورة انعتاق، والثورة فضاء لكل اعتقاد، فالمفروض أن يتعامل المحسوبون عليها، خاصة من وضعتهم الظروف في مواقع مسؤولة، وفق خيارات الإنسان وتوجهاته، وليس حسب أصول المولد، أو الطائفة، والدين، والعشيرة، والجهة، والحارة، والزاروب.
الجزائر 26/1/2014