وماذا حقق جنيف الافتتاح؟
عقاب يحيى
سؤال برسم إجابة واقعية.
كل طرف يريد أن يظهر وكأنه منتصر، أو أنه سجل نقاطاً "كبيرة" على الآخر.
هناك من يعتبر أن مجرد جلوس النظام مع وفد المعارضة - عموماً – و"الائتلاف" خصوصاً. هو اعتراف منه بالمعارضة. وأن محتوى خطاب النظام قدّم خدمة كبيرة ضده للتعريف بجوهره، وفضحه أمام الحضور والرأي العام العالمي، وأن أداء "الائتلاف" كان جيداً. في كلمات رئيس الوفد، أو في إصراره على الأساسيات التي يمكن تكثيفها بمحورين مترابطين: ألا يكون القاتل وكبار رموز النظام جزءاً من العملية السياسية التي ستجري - تشكيل هيئة حكم انتقالية مطلقة الصلاحيات وبوقت زمني محدد للتشكيل والعمل، إضافة إلى بعض النقاط الأخرى التي تتعلق بالأداء الإعلامي، أو غيره. في حين وجّهت عديد الانتقادات للأداء الإعلامي "للائتلاف"، وتعدد الناطقين والمصرّحين، وتفاوت، وتناقض وجهات نظرهم.
ليس هدية أن يعترف نظام الإجرام بالمعارضة، حتى لو مثّلت بـ"الائتلاف" فقط، وإسقاطه الحديث القديم، الطويل عن معارضة الداخل، والمعارضة الشريفة، والنزيهة. شكلياً يبدو الأمر انتزاعاً لشيء كان مخالفاً لمواقف النظام، وإن كان الأمر - هنا - يخصّ الجوهر، حيث أن نظاماً قاتلاً بتلك المواصفات يحتاج فعلاً غلى من يعترف بوجوده، وغلى من يجلس معه، ولو عن مسافة، ويقبل بمفاوضته.
والحق أن خطاب النظام عبر (المعلم) كان بيان فضيحة لجوهره. إثبات قاطع على منهجية التفكير، وبنية السياسة السائدة الناكرة للحقائق، والمزيّفة للوقائع. ولذلك كان لصالح المعارضة، ومُحرجاً حتى للحلفاء، في حين كانت كلمات وفد "الائتلاف" واضحة، وبنّاءة، وتتجه نحو الرئيس من المهام.
لكن، وكي لا نعيش على وهم الأوهام، ومع الاعتراف بهذه النقاط التي يجب وضعها بحجمها الطبيعي، فجنيف الجولة الأولى لم يكن أكثر من تحمية، لسباق ما زال مجهول المقصد، والمسافة، والوقت، والإرادة الفاعلة للأطراف الراعية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أشباه انتصار من أي نوع، وما لم تتجه الجلسات القادمة نحو الرئيس: تشكيل الجسم الانتقالي بصلاحيات كاملة. وما لم تبرز إرادة دولية واضحة، خاصة لدى الراعيين الرئيسين: الولايات المتحدة وروسيا لفرض تطبيق بنود "جنيف واحد" بالكامل على النظام القاتل، وضمن زمن معلوم، فإن وضع الحالة السورية على نفق مدلهم طويل، لن يجدي، وسيكون "الائتلاف" مطالباً بالقطع بإنهاء فصول المسلسل عند حدّ معين، ووقتما يتأكد عبثية النوايا، والمقاصد.
النظام - كعادته - سيعمل على كسب الوقت، على التمرير والتفريغ، وعلى قذف شطارته التي يظن في الإلهاء، عبر البدء بالفروع والتفاصيل، أو كما يطرح الروس: تشكيل لجان وورش عمل قد تستغرق أزماناً لا أحد يعرف مقدارها، بينما تستمر البراميل، ويستمر القصف والموت اليومي، والرهان على العنف والدمار، واغتيال شبابنا مباشرة وتحت التعذيب.
جنيف رهان إجباري، لكنه لن يكون قيداً على رقبة الثورة السورية حين تتضح النوايا، بأنه ليس خياراً للحل السياسي الذي يستجيب للحد الأدنى من مطالب الشعب السوري: إنهاء نظام القتل والفئوية والفساد، والانتقال إلى نظام ديمقراطي.
الجزائر
5/2/2014