وماذا لو فشل جنيف؟
عقاب يحيى
سؤال نطرحه من أكثر من عامين. وهو سؤال مشروع وواقعي، وضاغط.
عديد المرحبين بالحل السياسي سبيلاً وحيداً لما يعتبرونه "الأزمة الدولية" ينطلقون من قناعة واحدة: أن لا مجال سوى للحل السياسي، ويضعون استناداً إلى الإقناع مجموعة من العوامل:
- عدم قدرة الثورة والعمل المسلح على إحراز النصر الحاسم وإسقاط النظام. يقابله فشل الطغمة الحاكمة في القضاء على الثورة رغم استخدامها لأقصى وسائل العنف، وقوة النيران والقتل والإبادة.
- رفض القوى الدولية في إحداث تغيير جذري في ميزان القوى يسمح لأحد الطرفين بتحقيق الحسم. فلا هم يرضون بتقديم السلاح المطلوب للجيش الحر كي يتقدّم نحو تحقيق الهدف، ولا النظام بقادر على ذلك، وبالتالي: الإبقاء على النزيف السوري مستمراً لسنوات.
- الخوف من الانزلاق لحرب أهلية - طائفية في جوهرها - تبدو مقدماتها كثيرة. هناك من يعتبر أنها قائمة فعلاً وبأشكال صارخة.
- رفض الحل العسكري، والتركيز على السلبيات والانحرافات، والأطروحات التي ابتعدت عن روح الثورة، وأهدافها. مع التركيز الواضح على السلبيات والممارسات المتطرفة، وموقعها من فعل تشويه الثورة وجرجرتها إلى مهاو خطرة.
- تدويل القضية السورية، وانسحاق القرار الوطني المستقل.
وسنرى في هذا المجال تنظيرات كثيرة تستند إلى مستوى التدخل الدولي، وكأنها سعيدة بتدويل الوضع السوري، وكأنها لا حول ولا قوة سوى الإذعان لإرادة "المجتمع الدولي"، في حين نعرف أن مصطلح المجتمع الدولي فضفاض ومطاط، وهو يعني تحديداً الموقفين الأمريكي والروسي، إلى جانب دور متناوب لبعض الدول الأوربية.
- مستوى التدخلات الإقليمية في الشأن السوري، إن كان لجهة إيران وأذرعها، أو لجهة دول الخليج وتركيا، وحيثيات التنابز والصراع بين الأطراف الداعمة للتسلح، والعمل المسلح، بما يصعب توحيده، ووحدة هدفه وقراره.. إلخ.
***
هذه العوامل وغيرها حقيقية من حيث التوصيف، ومعروفة للجميع. لكن، والثورة تقترب من عامها الثالث، والتضحيات جسام، والإرادة كبيرة في المضي بها حتى النهاية، وقد باتت خياراً وحيداً، بل ومفروضاً على عشرات آلاف الشباب المنخرطين فيها: في العمل المسلح وسواه، ألا يجدر أن يفكر المعنيون من المعارضين، والمتحمسين للحل السياسي باحتمالات فشله، أو تجويفه، او عدم وصوله لنتيجة ما؟، وما هي البدائل الذي يجب أن تكون موجودة، بل وقائمة منذ الآن؟.
هذا السؤال يطرح نفسه بقوة منذ أكثر من عامين، وفي مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية - اوائل تموز 2012 كان النقاش طويلاً، وعميقاً حول المخارج، وحول موقع الحل السياسي، والعسكري فيه، وجرى الاتفاق على المزاوجة بينهما، وعلى أن الحل السياسي الناجع لا يمكنه التجسيد دون ميزان قوى جدي على الأرض. ميزان قوى تبنيه قوى الثورة وليس "المجتمع الدولي" والرهانات عليه، وأن من الأهمية القصوى أن يولى هذا الجانب الأهمية الأولى في سلسلة من المهام: تدعيم تسليح الجيش الحر بكل الإمكانات التي تعدّل ميزان القوى - وحدة العمل المسلح في إطار موحد، واستراتيجية واضحة - استيعاب الضباط والعسكريين المنشقين ليكونوا أساس الجيش الحر - إعادة النظر ببنية وواقع هيئة الأركان لتكون القيادة الميدانية الحقيقية، والمخطط والموجه للعمل العسكري - محاربة الاتجاهات المتطرفة والمنحرفة حفاظاً على جوهر الثورة وأهدافها.
ومراراً كنا نسأل في حواراتنا الكثيفة مع عديد المعارضين: وماذا لو فشل جنيف؟، وماذا لو لم يحقق الهدف الرئيس؟، وماذا لو كانت الإرادة الدولية غير جادة في فرض حل سياسي شامل، وفي منح "هيئة الحكم الانتقالي" الصلاحيات المطلقة وإيجاد قوة ضاغطة لتنفيذ ما يتفق عليه؟، وماذا إذا كان الراعيان الرئيسان ليس بواردهما وضع حدّ للماساة السورية، بل إذا ما كانا يقايضان على بلدنا ضمن صفقة عالمية ليست بغريبة عنهما؟.
وكيف نستعيد قرارنا الوطني المسلوب؟، وكيف نرد على مراهنات قد تكون خطيرة وخلبية؟.
الآن وجنيف
عقد في جولته الأولى، وظهرت فجواته الكبيرة، ولا أحد يستطيع أن يقرر محتوى الجولات
التالية، وحقيقة نوايا وقرار الراعيين له، وموقع الطغمة القاتلة من الالتزام
بجوهره. ماذا نحن فاعلون؟، وهل يبقى الرهان على الحل السياسي وفقط، أم يجب أن
يتلازم ذلك، وعلى مدار مسار المفاوضات التي قد تطول، وقد تأخذ وفد المعارضة إلى
مسلسل طويل ممل، بتقوية العامل الذاتي: الجيش الحر، والعمل في الميدان ارتكازاً؟.
أكثر من ذلك: ألا يجدر أن تحضّر البدائل لحالة فشل جنيف تماماً؟، ولوسائل استعادة المبادرة الوطنية والقرار المستقل؟، والدعوة فعلاً لمؤتمر وطني جامع يضع القضية السورية بين أبناء الثورة من مختلف الأطياف السياسية والثورة والمسلحة، وفعاليات المجتمع المدني والخروج بخريطة طريق عملية للخطوات التالية، وانبثاق هيئات أكثر تمثيلاً للثورة، وأكثر قدرة على قيادة التالي من المهام والتحديات؟.
الجزائر 7/2/2014