الجيش الأمريكي يواجه تحديات أكبر بميزانية أقل

واشنطن- من "أورينت برس"

مع اقتراب الحرب في أفغانستان من نهايتها، على غرار الحرب العراقية، شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في عملية إعادة النظر في دورها العسكري في المستقبل.

وفي وثيقة صادرة عن مكتب الرئيس الأمريكي باراك أوباما لوزارة الدفاع الأمريكية، يؤكد أوباما كيف ستقوم الولايات المتحدة في المستقبل بالتركيز على مجموعة واسعة من التحديات والفرص، مثل ضمان أمن ورخاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ وبالتالي الابتعاد عن الصراعات بعدما أدركت واشنطن أن القوة العسكرية وحدها لا تواجه التحديات المختلفة ولا يمكنها التغلب عليها.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2013، وفي خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة في نيويورك، أكد أن الخيار العسكري هو واحد من الخيارات المتعددة، لكنه عاد وشدد على أن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام أي الخيارات المتاحة لضمان أمن البلاد ومصلحتها.

من جهة أخرى، وفي خطاب ألقاه امام منتدى الأمن العالمي في واشنطن، أوجز وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل، مدى اختلاف التحديات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة ودور الجيش في التصدي لهذه التحديات. ومن شأن هذين الخطابين أن يؤشرا إلى كيفية استعداد واشنطن لكي تتكيف قوتها العسكرية مع عالم جديد من التحديات وضمن ميزانية أقل، لا سيما بعد اقتطاع الميزانية الدفاعية والعسكرية.

تحول الأنظار

لا شك أن انظار الولايات المتحدة تتحول من "الشرق الأوسط" الغارق في مشكلات كثيرة نحو آسيا والمحيط الهادئ حيث هناك دول عدة تنامي قوتها الاقتصادية. بالإضافة إلى صعود دول مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا وتركيا يقود الولايات المتحدة إلى إعادة تنظيم مصالحها وتوجيه نفوذها واهتماماتها.

هناك مخاوف كثيرة لدى الأمريكيين حيال قضايا عالمية عديدة مثل تنامي الإرهاب، وتطور التقنيات المدمرة، والكوارث الطبيعية، والأمراض الوبائية، ومشكلات دول كثيرة مثل إيران وسوريا وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع وعدم كفاية فرص التعليم والتوظيف. كل هذه القضايا من شأنها أن تشكل خطرا على السلام والاستقرار العالمي.

وعلى الرغم من أن هذه التحديات ليست من مسؤولية الولايات المتحدة وحدها، إلا أنها تتطلب مستوى معيناً من استمرار القيادة العالمية للولايات المتحدة حتى لا تخسر واشنطن مكانتها كشرطي العالم. لكن بالنظر إلى التحديات والأكلاف المرتفعة، فإن القيادة الأمريكية تعتمد بشكل متزايد على فهم حدود القوة الأمريكية واللجوء إلى الحكمة من خلال تشكيل تحالفات قائمة على أساس المصالح المشتركة. وبالتالي فإن المفتاح لصناع السياسة الأمريكيين هو بذل جهد أكبر والاستماع أكثر لما يقوله الآخرون.

أداة أساسية

وفي حين أن الجيش الأمريكي سيبقى أداة أساسية في تحقيق المصالح الأمريكية، فإنه لا يمكن أن يكون مسؤولاً بمفرده عن مواجهة التحديات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية. ذلك يعني أن الولايات المتحدة تحتاج إلى وضع المزيد من التركيز على أدواتها المدنية بدلاً من العسكرية وهذا ما تحول فعله من خلال تخفيض الميزانية الدفاعية. فتحديات المرحلة الراهنة تختلف تماماً عن التهديدات التي كانت قائمة أثناء الحرب الباردة.

وفقا لكل من الرئيس أوباما ووزير الدفاع هيغل، فإن قوة الولايات المتحدة العسكرية يجب أن تلعب دوراً مسانداً، وليس أساسياً أو رائداً في السياسة الخارجية الأمريكية. ورغم أن الوزير هيغل حذر من الاعتماد المفرط على القوة العسكرية، إلا أنه لا يزال يصر على أن الولايات المتحدة يجب أن تظل قوة عسكرية لا نظير لها. لكن على الجيش الأمريكي أن يستعد للتحديات في مواجهة التخفيضات في الميزانية، حيث تواجه وزارة الدفاع تخفيضات في الميزانية تصل إلى 500 مليار دولار على مدى 10 سنوات.

وقد دعا وزير الدفاع الأمريكي إلى "إعادة تنظيم" قطاع الدفاع لمواجهة الاقتطاعات في الميزانية المرجح أن تستمر، لكنه حذر من النزعة الانعزالية. وقال هيغل إن القوات المسلحة "ستبقى أداة أساسية للقوة الأمريكية والسياسة الخارجية"، لكن ينبغي أن تستخدم "بروية ودقة وحكمة". واعتبر أن على الولايات المتحدة أن "تولي مزيداً من الأهمية للأدوات المدنية للسلطة". وهذا الخطاب الذي يشكل قطيعة مع السياسة المتبعة في سياق اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 واجتياح العراق، يعكس تعب الولايات الامريكية المتحدة بعد 12 سنة من الحروب.

بقاء الهيمنة العسكرية

لكن هيغل حذر من أي نزعة انعزالية جديدة قد تصيب الشعب الأمريكي وبعض المسؤولين لأنها "كمين قاتل أيضاً". ورأى أن هذا الوضع الجديد يدعو أيضاً إلى ضرورة التكيف مع اقتطاعات الميزانية المرشحة لأن تطول، ما سيؤدي إلى "إعادة تنظيم مؤسسات الدفاع" بغية الحفاظ على وسائل تحرك الجيش الأمريكي. ولفت وزير الدفاع إلى "أن هذه الاقتطاعات سريعة جداً وكبيرة جداً ولا مسؤولة"، علما بأن البنتاغون خضع العام الماضي لاقتطاعات تلقائية بقيمة 37 مليار دولار، ويستعد لاقتطاعات جديدة بقيمة 52 مليار أي 10 في المائة من ميزانيته.

ويفضل هيغل، وبالطبع أوباما كذلك، أن يكون الجيش "أقل عدداً وعصرياً" يعتمد على تكنولوجيات حديثة بدلاً من قوة أكبر مجهزة بمعدات قديمة.

ويقوم البنتاغون حالياً بوضع سياسة للدفاع للسنوات الأربع المقبلة تحدد الأولويات، ومنها ضرورة التخفيف من البيروقراطية الضخمة في البنتاغون، الحفاظ على الاستثمارات في الميادين التي تعتبر أساسية لبقاء الهيمنة العسكرية الأمريكية: الفضاء والأمن الإلكتروني والقوات الخاصة وكذلك وسائل المراقبة والاستخبارات.

جهوزية الجيش

في المقابل، ذكر مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية أن تخفيض ميزانية الجيش الأمريكي سيقلل من جاهزيته، وذلك عقب إصدار البيت الأبيض الميزانية المقترحة لعام 2014. وأفاد المسؤولون أن ذلك سيؤدي إلى تخفيض حجم التدريبات، وإيقاف 12 من أسراب الطيران المقاتلة، واستبعاد عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين.

وسيتم تكثيف الاستثمارات بشكل أساسي في مجالين فقط، هما القيادة الأمريكية في مجال الفضاء الإلكتروني، وتوسيع نطاق الوجود الأمريكي في المحيط الهادئ، وبحلول عام 2020 سيتم حشد 60 في المائة من القوات البحرية الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ. وهناك قائمة طويلة من التخفيضات وهي جارية بالفعل في بعض الحالات بسبب التخفيضات التي شهدها العام الجاري، ومنها إلغاء تدريبات قتالية ووقف أسراب طيران، وتقليص عدد ساعات الطيران لطياري البحرية، وتأجيل عمليات بحرية، وإنهاء نظام التعقب الدقيق بالأقمار الاصطناعية، إلى جانب أمور أخرى.

واعتبر المسؤولون أن البنتاغون يحاول الحفاظ على "قوة جاهزة"، غير أن ليس بإمكانه الاحتفاظ بذلك بسبب ما حدث في العام 2013، في إشارة إلى خفض الميزانية العسكرية. ويعرب مسؤولون عن قلقهم من أن يؤدي خفض التدريبات إلى إحباط وخفض معنويات الكثير من القوات في الخارج والداخل.

وتتوقع البنتاغون أن يتم استبعاد ما بين 40 ألفاً إلى 50 ألفاً من الموظفين المدنيين حتى عام 2018، أي باقتطاع ما بين 5 إلى 6 في المائة من إجمالي القوة الحالية البالغ قوامها 750 ألفاً. لكن رداً على سؤال حول ما إذا كانت التخفيضات ستؤثر على الاستعداد الأمريكي لمهاجمة بعض الدول المعادية مثل كوريا الشمالية وزعيمها كيم جونغ أون مثلاً، أكد مسؤولون أمريكيون أن الجيش الأمريكي مستعد لأي طوارئ.

وهناك من سلط الضوء على مفارقة اقتطاع المليارات من ميزانية البنتاغون من أجل رفاهية الشعب الأمريكي والاقتصاد والاستثمار في قطاعات أخرى مختلفة، وفي المقابل يقوم أعداء الولايات المتحدة مثل كيم جونغ أون بتجويع شعبه من أجل سياسة الجيش أولاً، مستنكرين حجم الاقتطاعات من الميزانية الدفاعية الأمريكية.

1/1/2014