كارثة إنسانية جديدة في سوريا باستخدام التعذيب الرهيب

بيروت - من "أورينت برس"

في انتهاك جديد ومخيف لحقوق الإنسان من قبل النظام السوري، خرجت إلى العلن أخيراً قضية مقتل آلاف المعتقلين بأسلوب مروع وتحت أشكال متنوعة من التعذيب. وفيما يعقد مؤتمر "جنيف 2" للبحث في حل للأزمة السورية المتفاقمة، لم تساعد الصور التي سربت للمعتقلين الذين قتلوا بأساليب مخزية للإنسانية في تقريب وجهات النظر بل باعدتها إلى حد كبير.

في هذا الإطار، أكد مدعون عامون دوليون وجود أدلة دامغة على عملية قتل منظمة لنحو 11 ألف معتقل سوري عبر التجويع، والضرب، والتعذيب، وفقء العينين، وكل ذلك في جزء واحد من سوريا فقط، علما أن ثمة شكوكا قوية بأن ممارسات قتل مماثلة ترتكب في أماكن أخرى اذ ما من رادع للنظام الذي يمارس شتى اصناف التعذيب والقتل والبربرية من دون مساءلة دولية، لا سيما وأنه كان قد استخدم غاز السارين من قبل من دون أن يسترعي ذلك تحركاً دولياً ضده.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

أثارت الصور التي تظهر عمليات قتل ممنهج للمعتقلين من المعارضين السوريين بأساليب وحشية ردود فعل مستنكرة من قبل الجماعات الإنسانية والحقوقية حول العالم، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تظهير حل للأزمة السورية المتواصلة منذ ثلاثة أعوام والتي راح ضحيتها آلاف السوريين الأبرياء.

تحديات حقيقية

تشمل التحديات التي يواجهها الشعب السوري، بالإضافة إلى البقاء على قيد الحياة بالتأكيد في حرب أهلية أودت بحياة نحو 130 ألفاً وهجرت الملايين، حمل سائر دول العالم على الاهتمام بما يحصل في هذا البلد، وحث المجتمع الدولي على التحرك بدلاً من الوقوف وكأن على رأسه الطير ليعاين جثث السوريين وما جرى من تنكيل بها. تدور آلة القتل شهراً بعد شهر، إلا أن من يعيشون خارج سوريا يغضون النظر عما يجري هناك، إما لأنهم منشغلون بقضايا أخرى وإما لأنهم يقفون عاجزين أمام فكرة أنه ما من حل، ببساطة لأن الدول الكبرى قررت أن لا تحاسب نظام بشار الأسد وأن تتغاضى عما يفعله.

البعض في سوريا كان يقول أنه ثمة حاجة إلى كارثة كبيرة أو مريعة لكسر حالة الجمود هذه، وحمل المجتمع الدولي على التحرك بجدية ووضع حد لممارسات نظام الأسد. وفي شهر آب/أغسطس من السنة الماضية، حلت هذه الكارثة مع الاعتداءات الكيماوية المزعومة على منطقة الغوطة في ضواحي دمشق، فقد أودت هذه الاعتداءات بحياة 1400 شخص، بينهم أكثر من 400 طفل جراء استخدام النظام غاز السارين. مع ذلك، قررت الولايات المتحدة العودة عن الخط الأحمر التي كانت رسمته للنظام السوري وقررت عدم توجيه أي ضربة إليه، مكتفية بالطرح الروسي المتمثل بسحب السلاح الكيماوي السوري وتدميره. بالفعل يجري العمل على تدمير الترسانة الكيماوية السورية، لكن للأسف ضاعت حقوق الأطفال والأبرياء الذين اختبروا أبشع أصناف الموت إثر تنشقهم غاز السارين.

كارثة جديدة

أما اليوم، فقد ظهرت كارثة جديدة في سوريا إذ برز إلى الإعلام تقرير ثلاثة مدعين عامين سابقين في محاكم جرائم الحرب الدولية. أكد هؤلاء المدعون العامون أنهم اطلعوا على أدلة دامغة على عملية قتل منظمة لنحو 11 ألف معتقل من خلال التجويع، والضرب، والتعذيب، وخصوصاً فقء العينين والتعريض لصدمات كهربائية، وكل ذلك في جزء واحد من سوريا، علماً أن ثمة شكوكاً قوية حول أن ممارسات قتل مماثلة ترتكب في أماكن أخرى تقع تحت سيطرة النظام.

من الصعب التشكيك في مصدر هذه الأدلة، لكن المعلومات اشارت إلى مصور سابق في جهاز الشرطة العسكرية كان يعمل مع النظام السوري إلى أن انشق عنه، كذلك لا يوجد أي سبب لدى واضعي هذا التقرير، الذين قابلوا مصدرهم طوال ثلاثة أيام، للتحامل على النظام، وهم يتمتعون بمصداقية عالية: فقد عملوا كمدعين عامين في المحاكم الجنائية الخاصة بسيراليون ويوغوسلافيا سابقاً، ولا شك أن هذه الوقائع تلغي أي شكوك حول هذا التقرير.

صحيح أن أنصار النظام السوري حاولوا الإشارة إلى أن هذا التقرير مدبر وأن الصور ملفقة لكنهم لم يفلحوا، مع ذلك فقد سربوا إشاعات مفادها أن دولة قطر هي التي طلبته ومولته، كونها تعتبر لاعباً معادياً للنظام في الصراع السوري. لكن هذه الشائعات سرعان ما دحضت. فالأدلة دامغة، وسمعة مَن قيموها فوق كل الشبهات لذلك لا يمكن التغاضي عن هذا التقرير واعتباره مجرد دعاية قطرية رغم أن البعض حاول فعل ذلك.

تسريب الصور

علاوة على ذلك، سيكون لطبيعة هذه الأدلة التأثير الأكبر، فقد أخبر أحد معدي هذا التقرير، (السير ديزموند دي سيلفا) وهو قاض بريطاني، أحد وسائل الإعلام أن الصور التي يملكها شبيهة بالصور الأولى لمعتقلات التعذيب النازية التي حررت عام 1945. وتؤكد صور مسربة لأجسام شديدة النحول فكرته هذه، تماماً كما أن مفهوم قتل الأولاد بالغاز السام أعاد هذه الصور إلى الذاكرة، حين نشرت أخبار مجزرة الغوطة السنة الماضية، ويبدو أن ثمة معياراً غير معلن عند الحكم على الفظائع، صحيح أن البعض حاول تشبيهها بالمجزرة النازية، إلا أنها بلا شك تندرج في فئة قاتمة جداً كونها لا تمت للإنسانية بصلة.

لهذا السبب، قد تكسر هذه الكارثة، على غرار اعتداءات الغوطة، حالة التجاهل والجمود التي لفت الكثير من المناقشات حول الشأن السوري، فقد دفعت أحداث الغوطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التأكيد أن خطاً أحمر قد انتهك والتلويح بعمل عسكري بدا وشيكاً في تلك المرحلة، رغم أنه تراجع لاحقاً بضغط من روسيا واقتراح منها. فماذا ستكون نتائج هذه المأساة اليوم، هذا إن شهدنا أي تبدلات؟ وهل سيقوم المجتمع الدولي بأي تحرك قد يترك تداعيات سلبية على مؤتمر "جنيف 2"؟

محادثات جنيف 2

لا يبدو احتمال تنفيذ عمل عسكري ضد النظام السوري كبيراً، فقد استبعده رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد هزيمته في مجلس العموم عقب اعتداءات الغوطة. من جهته، تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن احتمال اتخاذ خطوة عسكرية آنذاك، قائلاً: "من الصعب تخيل سيناريو كان سيؤدي تدخلنا فيه إلى نتيجة أفضل، إلا إذا كنا مستعدين لتنفيذ عملية تضاهي بحجمها ونطاقها ما قمنا به في العراق"، وما من سبب يدفعنا للاعتقاد أن الرئيس الامريكي بدل رأيه اليوم. لذلك فإن استبعاد العمل العسكري هو الطاغي اليوم.

نتيجة لذلك، يبقى الأمل الأكبر في التوصل إلى تقدم دبلوماسي، ولا شك أن التوقعات بشأن ما قد تحققه محادثات "جنيف 2"، التي تبرر توقيت نشر صور التعذيب، لا يمكن أن تكون أدنى، خصوصا أنها استهلت بسحب الدعوة الموجهة إلى إيران. رغم ذلك، تحمل النتيجة النهائية لمعمعة ما بعد الغوطة بعض الأمل، فقد قاد تلويح الولايات المتحدة بعمل عسكري في شهر أيلول/سبتمبر الماضي إلى مبادرة روسية أمريكية مشتركة هدفها نزع سلاح نظام الأسد الكيماوي، مبادرة صمدت رغم توقع إخفاقها مباشرة. ما من سبب يمنع تصميماً دولياً مماثلاً من تحقيق تقدم ملحوظ، ويكمن الحل اليوم، كما في السابق، بين يدي روسيا، فإذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انتهاكات بشار الأسد المشينة ما عادت تخدم مصالحه، فسيتحرك ويفتح القنوات الدبلوماسية، إذ حدث ذلك سابقاً، وقد يتكرر اليوم، ولكن يجب أن تشعر روسيا أولاً بنار الغضب العالمي، وقد تكون هذه الصور والقصص المريعة التي تخبر عنها الشرارة التي تشعل هذا الغضب، أو قد تكون بوابة لادخال المساعدات الانسانية لمئات آلاف المدنيين السوريين المحاصرين من قبل قوات النظام فقط.

1/2/2014