بعد العراق وسوريا.. هل تهرب "داعش" إلى لبنان؟

بيروت - من "أورينت برس"

فيما يواجه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف باختصار "داعش" ضربات كبيرة تلحقها به قوات "الجيش السوري الحر" في سوريا، فضلاً عن ملاحقة الجيش العراقي له بقبضة حديدية في الفلوجة والأنبار، ووسط أنباء تتحدث عن أن نهايته قد تكون وشيكة، تتزايد المخاوف من أن ينتقل هذا التنظيم المتشدد من سوريا والعراق إلى لبنان الذي يعد الخاصرة الرخوة في المنطقة بسبب عدم ضبط الحدود وكثرة المعابر الخفية ووجود بعض التغطيات السياسية.

من الواضح، أن التنظيم الذي انطلق بقوة منذ شهور، وحاول تكريس اسمه من خلال الممارسات الدموية والوحشية التي ينتهجها في قتاله لا سيما بعدما انقلب ضد فصائل المعارضة السورية، قد رسم لنفسه خطة استراتيجية تقضي بتسلله إلى دول المنطقة وإعاثة الخراب والتفجيرات في أراضيها. ولبنان ليس بمعزل عن هذه المخططات التي تجعله في صلب دائرة الخطر.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

بعد الضربات التي مني بها تنظيم "داعش" في سوريا أخيراً، وبعد انتقال بعض عناصره إلى العراق وتعهد الحكومة العراقية بمقاتلته وطرده، ليس من المستغرب على الإطلاق أن يتدفق عدد كبير من مقاتلي التنظيم إلى لبنان، مستفيدين من تسيب الحدود وغياب الضوابط الأمنية والاضطرابات السياسية. وكانت القوات العراقية تمكنت من قطع خطوط إمداد التنظيم قرب الحدود السورية، وأعلنت قيادة عمليات الأنبار أن القوات الأمنية تحاصر أعداداً كبيرة من عناصر "داعش" بين الرمادي والفلوجة. كما تم اعتقال وزير المالية في تنظيم "داعش" أبوصفاء الدمشقي في صحراء الأنبار. وهذه كلها مؤشرات على أن أيام التنظيم في العراق والشام قد تكون معدودة، لكن ما هو حاله في لبنان؟

في الواقع، توحي التسريبات الأمنية بأن الوضع غير مطمئن وبأن لبنان قد يكون الملجأ لهؤلاء المتشددين في حال ضاقت بهم الدنيا.

ثلاث جبهات

يقاتل تنظيم "داعش"، التي يقدر محللون أنه يضم في صفوفه نحو 7 آلاف مقاتل من أنحاء العالم، على ثلاث جبهات الآن. ففي سوريا تحولت موجة الغضب على ممارسات "داعش" وارتكاباتها إلى تسونامي من الانتقادات والاستنكارات كونها تلجأ إلى أساليب أقل ما يقال فيها إنها لا تمت إلى الدين والإنسانية بصلة. وهو الأمر الذي ألب المعارضة بشدة ضده.

إزاء ممارساتها، ورغبتها في التفرد واحتكار السلطة في صفوف الثوار ضد النظام السوري، توحدت الفصائل المعارضة من كل صنف، وفي مقدمتها "الجيش السوري الحر"، ومن ضمنها "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" أيضاً، كلها وضمت قواها طاردة "داعش" من معاقل لها في رقعة واسعة من شمال سوريا.

في منطقة الرقة، باتت "داعش" تسيطر على مبنى واحد فقط في المدينة، وفقدت جميع المعابر الحدودية مع تركيا، التي كانت تسيطر عليها، باستثناء معبر واحد، فضلاً عن فقدانها مقر قيادتها في الجزء الذي يسيطر عليه المسلحون من مدينة حلب، أكبر المدن السورية.

كذلك، تتم ملاحقة "داعش" في العراق، حيث سعت إلى استغلال مشاعر السخط والاستياء من حكومة نوري المالكي في بعض الأوساط لتدخل مدينتي الرمادي والفلوجة في محافظة الأنبار. لكن مراقبين يرون أن هذه الخطوة كانت سلبية جداً، ومثلت قراراً سيئاً لـ"داعش" التي تواجه ضربات "الصحوات" العراقية بالإضافة إلى الجيش العراقي وغارات الطائرات بلا طيار.

كل ذلك، استدعى من "داعش" أن تبحث عن خاصرة ضعيفة لتهرب إليها وتحاول التقاط أنفاسها، لذلك فتحت جبهة ثالثة في لبنان، حيث أعلنت مسئوليتها عن تفجير حارة حريك الأخير في بيروت. وترددت معلومات عن أن "دولة العراق والشام الإسلامية" قررت رسمياً الدخول إلى لبنان عسكرياً.

مخاوف لبنانية

وإذا كانت الوقائع طوال السنين الماضية تشير إلى أن التنظيمات المسلحة تسعى إلى استثمار نقاط الضعف الأمنية، للنفاذ إلى داخل الدول عسكرياً ولوجستياً وفكرياً، فإن توقيت إعلان التنظيمات الجهادية الدخول إلى لبنان بالحرب، محاولة لامتصاص زخم الهزائم العسكرية التي لحقت بها في سوريا والرمادي في العراق على وجه التحديد. وتسعى "داعش" عبر هذه الخطوة إلى خلط الأوراق أيضاً، والتركيز على البعد الطائفي للأحداث في سعيها لكسب تأييد طائفي في الحرب التي تخوضها لتقويض الدول في العراق وسوريا ولبنان.

 

في هذا الإطار، نقل جهاز أمني عربي تابع لإحدى الدول عبر سفارة بلاده إلى جهة لبنانية فاعلة تقريراً أمنياً فيه تفاصيل خطيرة تفيد عن انتقال 18 شخصاً (من كوادر "داعش") من سوريا إلى لبنان في منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي.

وجاء هذا الانتقال بعد اجتماع ضم كبار مسئولي تنظيم "القاعدة"، وشهد الاجتماع خلافاً كبيراً بين القيادات حول الجدوى من فتح جبهة لبنان مع سوريا، حيث يعتبر الظواهري أن فتح عدة جبهات هزيمة لمشروع الدولة الإسلامية، ويفضل التركيز على سوريا. فيما يرغب قادة "داعش" في توسيع رقعة المواجهات إلى الأراضي اللبنانية. وخلص الاجتماع إلى اتفاق يقضي بتوجيه ضربات أمنية في لبنان وليس معارك وجبهات عسكرية مفتوحة.

وجهات نظر

في الواقع، هناك وجهات نظر مشككة باحتمال انتقال "داعش" إلى لبنان، وهي ترى أن مصدر الشك الأول في الإعلان مكمنه كيفية الإعلان الذي لم يكن عبر القنوات الإعلامية الرسمية المعتادة لتنظيم "داعش" بل عبر تسريبات. والتشكيك في نية التنظيم المتشدد الدخول عسكرياً إلى لبنان، يجمع عليه بعض الخبراء الأمنيين ممن يجدون أنه "لا يمكن أن يجد "داعش" أي بيئة حاضنة له في لبنان، من دون استبعاد فرضية تمكنه من التحرك في لبنان عبر خلايا صغيرة".

لكن لا يمكن تناسي أن الحدود اللبنانية مشرعة أمام "داعش" وغيرها من الشمال اللبناني وسلسة الجبال الشرقية للدخول إلى لبنان. صحيح أن هناك دعوات ترحب بـ"داعش" في بعض مناطق الشمال، لكن بعض الخبراء يرون أنه ليس هناك بيئة حاضنة لها في لبنان، ما يصعب أن يكون لها مخبأ عسكري يساعدها على الصمود في حال اكتشاف أمرها من قبل الأجهزة الأمنية.

علماً أن تجربة تنظيم "فتح الإسلام" كانت مهمة جداً بالنسبة إلى اللبنانيين وأعطت درساً لـ"داعش" وغيرها بأن لبنان لن يكون بيئة حاضنة لهذه المجموعات، وهجوم الجيش على مخيم نهر البارد الذي كانت تحكمه قوى فلسطينية تدعم مجموعات مثل "فتح الإسلام" دليل كبير على أنه قادر على اقتلاع أي مجموعة مماثلة أينما وجدت.

وحول كيفية تحرك مجموعات قتالية موالية للتنظيم، أشار الخبراء إلى أنه "بالإمكان الحديث عن تسلل عسكري إلى لبنان في اتجاه المخيمات الفلسطينية لتحقيق عمليات تخريبية أو التحرك بشكل خلايا صغيرة سرية، لكن أي وجود عسكري كما هو حاصل في العراق وسوريا وحصول مواجهة مع الجيش النظامي هو أمر مستبعد لأن المجتمع اللبناني والبنية الأمنية اللبنانية قادران على التعامل مع هذه المجموعة بفعالية أكبر بكثير من القوات العراقية والسورية".

بناء عليه، يرى هؤلاء الخبراء أنه من الصعب جداً أن تدخل "داعش" إلى لبنان كما يروج إعلامياً، فالمجتمع اللبناني سيتخذ الموقف نفسه كما فعل مع قضية "فتح الإسلام". وعن التحرك عسكرياً، استبعد الخبراء الأمنيون أن "تتحرك هذه المجموعات بالزخم الذي تتحرك به في العراق وسوريا لأن الأسباب التي تدفعها إلى ذلك هناك ليست موجودة في لبنان". وقالوا إن "الجيش اللبناني والقوى الأمنية قادران على صد هذه المجموعات ومنع استقرارها في أي مكان على الأراضي اللبنانية". إلا أن فرضية تسلل عناصر من هذا التنظيم لتنفيذ تفجيرات وعمليات انتحارية محدودة تبقى واردة وغير مستبعدة. لا بل إن حدثاً كتفجير السفارة الإيرانية في بيروت الذي تبنته "كتائب عبد الله عزام" يثبته، كما أن التفجير الانتحاري الأخير في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث مقر "حزب الله" يثبت تلك النظرية أيضاً.

15/2/2014