جدل حول مشاركة إيران في مؤتمر جنيف (2)

جنيف - من "أورينت برس"

حتى الآن، ترفض الولايات المتحدة مشاركة إيران في مؤتمر "جنيف 2" لحل الأزمة السورية، جراء الدور الإيراني في الحرب السورية تمويلاً وتسليحاً وقتالاً. علماً أن هناك وجهة نظر دولية وعربية, وحتى داخل الإدارة الأميركية، تؤيد مشاركة إيران في "جنيف 2" من منطلق تحميلها مسؤولياتها، نظراً للدور الذي تلعبه دعماً للنظام السوري، ومن هنا مشاركتها، لو تمت، لا تعني إطلاقاً تكريساً لدورها.

وفي إقرار ضمني لأهمية وجود مشاركة إيرانية في المؤتمر، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه لا يزال بالإمكان ان تلعب إيران دوراً مفيداً في إيجاد حل للصراع في سوريا حتى على هامش مؤتمر "جنيف 2" الذي سيعقد في وقت لاحق هذا الشهر. لكن إيران رفضت لعب دور هامشي، بينما حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من فشل المؤتمر في حال عدم دعوة إيران إليه.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

تعتبر إيران الداعم الرئيسي للنظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد الى جانب روسيا وذلك في النزاع الدائر منذ ما يزيد على عامين الذي أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص وشرد ملايين السوريين. ومن المرجح أن تعزز مشاركة إيران في محادثات السلام أي اتفاق يجري التوصل إليه في جنيف لكونها تلعب دوراً محورياً على أرض القتال لجهة التمويل والدعم وإرسال عناصر من "الحرس الثوري" أو من تنظيم "حزب الله" اللبناني للقتال إلى جانب قوات الرئيس الأسد. قد يكون من الممكن أن تشكل دعوتها فرصة لمحاسبتها ووضعها أمام مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي بحيث يجب إجبارها على التعهد بالخروج من سوريا.

أبدت إيران استعداداً للمشاركة في حالة توجيه الدعوة إليها. إلا أن واشنطن تعارض حضور إيران لأن الأخيرة لم توافق على بند رئيسي فيما يسمى بإطار اتفاق "جنيف 1". وينص البند على ضرورة تشكيل أي حكومة مستقبلية في سورية "بموافقة" كل من السلطات والمعارضة وتفسر الولايات المتحدة ذلك على أنه يعني أن الأسد لا يمكنه البقاء في السلطة. ورغم أن جون كيري دعا إيران إلى لعب دور هامشي في المحادثات، فقد رفضت طهران العرض الأمريكي وقالت إنها لن تقبل سوى العروض التي تحترم "كرامتها".

وصرحت مرضية أفخم المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية أن "إيران أعلنت دائماً استعدادها للمشاركة من دون شروط مسبقة" في المحادثات التي من المقرر أن تجرى في سويسرا في 22 يناير الجاري. وأضافت "ولكن طهران لن تقبل سوى العروض التي تحفظ كرامة الجمهورية الإسلامية".

من جهتها، أعلنت الأمم المتحدة أنها بدأت بتوجيه الدعوات الأولى لحضور "مؤتمر السلام حول سوريا"، إلا أن إيران ليست على اللائحة الأولية للمدعوين للمحادثات التي تعرف باسم "جنيف 2" قد أرسلت ولا تشمل إيران.

وكان قد تردد أن وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري والروسي سيرغي لافروف اللذين التقيا في 13 من الشهر الجاري قد اتخاذا قراراً بشأن مشاركة إيران أو عدمها في المؤتمر.

ويبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) "يأمل بدعوة إيران"، بحسب ما أشاعت أحد المصادر المقربة منه، لكنها أضافت أن المشاورات حول هذه المسألة "لم تؤد إلى نتيجة نهائية حتى الآن". وقالت إن كيري ولافروف "سيلتقيان في 13 يناير ونأمل بشدة أن يتوصلا إلى اتفاق حول مشاركة إيران".

ولم تحدد المصادر الأممية ولا الخارجية الأمريكية مكان عقد هذا الاجتماع الذي عقد لاحقاً في باريس، وتابعت "نعلم جميعاً أن الدعم القوي للقوى الإقليمية أساسي من أجل حل سياسي" في سوريا. وأوضحت الأمم المتحدة في بيان أن «"قائمة المدعوين تم تحديدها في 20 كانون الأول/ديسمبر" خلال اجتماع في جنيف بين الموفد الأممي الأخضر الإبراهيمي ومسؤولين روس وأمريكيين. وتتضمن هذه اللائحة 26 بلداً بينها القوى الدولية والإقليمية الكبرى بما فيها السعودية.

دور بناء

من جهة ثانية، قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى انه بإمكان إيران أن تبرهن على رغبتها في لعب دور بناء في المحادثات المقبلة لإحلال السلام في سوريا بدعوتها دمشق إلى وقف قصفها للمدنيين والسماح بوصول المساعدات.

وفي واشنطن، كررت مساعدة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف دعوة إيران إلى "أداء دور بناء" في سوريا، ملمحة إلى أن إيران تستطيع في هذه الحال المشاركة في مؤتمر السلام في سويسرا، ولكن "بمستوى أدنى" من المستوى الوزاري.

وقال مسؤولون أمريكيون إن إيران يمكن أن تحسن فرصها للقيام بدور على هامش المحادثات السورية إذا عملت مع دمشق لوقف قصف المدنيين وتحسين وصول المساعدات الإنسانية. وقال أحد المسؤولين في بروكسل "توجد خطوات عديدة يمكن لإيرانيين أن يتخذوها لتظهر للمجتمع الدولي أنهم جادون بشأن لعب دور ايجابي". وأضاف: "يشمل ذلك الدعوة لإنهاء قصف النظام السوري لشعبه. ويشمل الدعوة إلى وتشجيع وصول المساعدات الإنسانية".

وأوضح مسؤول آخر أن التصريح الخاص بالقصف يشير بشكل خاص إلى مدينة حلب أكبر مدن سوريا حيث قتل العشرات في غارات استخدمت فيها القوات الجوية السورية البراميل المتفجرة وهي قنابل بدائية الصنع.

وقال مسؤول أميركي إن إيران لم تعط أي مؤشر على استعدادها لتنفيذ أي من تلك الخطوات وأشار إلى معارضة دول أخرى لمشاركة طهران بالمحادثات من بينها دول عربية وأوروبية. وقال المسؤولون الأمريكيون الذين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم إن واشنطن ما زالت تعتقد أن قيام إيران بدور في المؤتمر المقرر عقده على ضفاف بحيرة جنيف في سويسرا "أقل احتمالاً أكثر من كونه مرجحاً" حتى ولو على الهامش وإن إيران والولايات المتحدة لم تناقشا المسألة بشكل مباشر من قبل.

وقال (جاي كارني) المتحدث باسم البيت الأبيض إنه سيكون على إيران أن تؤيد علناً شروط اتفاق "جنيف 1" إذا رغبت في المشاركة في العملية. وهو أمر يبدو أن إيران لا تريد الموافقة عليه، أقله ليس بسهولة حتى لا تظهر بمظهر الضعيف، أو الحليف الذي تخلى عن حليفه.

موقف روحاني

من جهته، ورداً على كل التصريحات، حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من فشل "مؤتمر السلام" المقبل حول سوريا في حال عدم دعوة إيران إليه. وأفادت وسائل إعلام إيرانية تابعة للحكومة أن روحاني صرح في مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن "مؤتمراً إقليمياً لن يشارك فيه أطراف لهم نفوذ لن يتوصل إلى حل الأزمة في سوريا". وأضاف الرئيس الإيراني حسن روحاني "لهذا السبب سيفشل مؤتمر جنيف-2 قبل أن يبدأ"، معتبراً أن المبادرة الروسية الأمريكية "استعراض للمفاوضات" ليس أكثر ولا أقل.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن بوتين أعاد خلال الاتصال الهاتفي التأكيد على دعم موسكو لإيران وسوريا، وعلى أمله بإقناع "حلفائنا (...) بأن إيران يجب أن تشارك في المفاوضات". لكن الجميع يدرك أنه من الصعب حصول إيران على دعوة للمشاركة في المؤتمر مباشرة في حال لم تعترف بالبنود الواردة في مؤتمر "جنيف 1" حول سوريا، وفي حال لم تبد رغبة قوية في السعي لإيجاد حل للأزمة السورية ووضع حد للصراع الدموي الدائر، فضلاً عن التعهد بعدم الاستمرار في التمويل والمساعدة في القتال وإذكاء الخلافات والانقسامات بدلاً من محاولة إيجاد أرضيات مشتركة للتعاون والحوار وإنهاء الحرب الأهلية التي طال أمدها أكثر بكثير مما يجب، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء وخسر فيها السوريون الكثير من أعصابهم وممتلكاتهم وانجازاتهم.

19/1/2014