اتفاق النفط بين روسيا وإيران يثير القلق في واشنطن

موسكو - من "أورينت برس"

تزايد قلق المجتمع الدولي من التداعيات المتوقعة للاتفاق النفطي المقرر بين روسيا وإيران، الذي قد يؤدي إلى تقويض حصار العقوبات الذي تفرضه الولايات المتحدة على طهران، والذي لم ترفعه تماماً رغم الاتفاق النووي في جنيف أخيراً.

لا شك إن الاتفاق المتوقع سوف يوفر بعض العون المالي على المدى القصير لإيران، ويعتبر انتصارا بالنسبة لروسيا، إلا أنه في المقابل يخلق مشكلات متنوعة. ذلك إن أي اتفاق متعلق بالطاقة بين موسكو وطهران سوف يسهم في تعقيد جهود إدارة الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) لمنع فرض عقوبات جديدة ضد إيران من قبل (الكونغرس) الأمريكي، فمن المعروف أن مجموعة من نواب (الكونغرس) لا تزال تشكك بنوايا إيران وتطالب بعدم إزالة العقوبات.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

في أعقاب الكشف عن اقتراب روسيا وإيران من توقيع اتفاق مقايضة نفطي يتم بموجبه مبادلة بضائع غير محددة لطهران في مقابل حصول روسيا على قرابة 500 ألف برميل من النفط يوميا بقيمة تصل إلى 1,5 مليار دولار شهريا في ظل الأسعار الحالية للنفط.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا لا تحتاج إلى النفط لأنها تمتلك ما يكفي من إنتاجها، لذلك فإن مغزى الصفقة هو شحن النفط من إيران وإعادة بيعه في الأسواق العالمية وبالتالي مساعدتها على تسويق نفطها وتخطى العقوبات الدولية المفروضة عليها. وبحسب التقارير فإن المسؤولين الروس والإيرانيين يتوقعون التوصل إلى الاتفاق في القريب العاجل بغض النظر عما ستسفر عنه المفاوضات النووية حول البرنامج النووي الإيراني المقبلة.

دوافع روسيا

إن دوافع روسيا للدخول في تلك الصفقة تبدو واضحة، حيث ستضعها تلك الخطوة في قلب الجهود الدولية الرامية إلى نزع أنياب البرنامج النووي الإيراني وإرسال رسالة واضحة للولايات المتحدة مفادها أن موسكو سوف تقف أمام الجهود الغربية الرامية لوضع المزيد من الضغوط الاقتصادية على النظام الإيراني. وبالتالي فإن الصفقة ستكون انتصاراً مزدوجاً لروسيا فهي من ناحية تضعف وتحرج (أوباما)، وتجعل موسكو شديدة الانخراط فيما يتعلق بمستقبل البرنامج النووي الإيراني.

كما أن إبرام الصفقة سيكون له آثار مربكة أخرى على الصعيد الدولي. إذ إن وجود هذا الإنتاج الجديد من النفط الإيراني في السوق العالمية سوف يدفع أسعار النفط الخام للانخفاض، أو على الأقل يكبح جماح السعر المرتفع. هذا الأمر لطالما حاولت موسكو تجنب حدوثه لا سيما، وأنها تعتمد على عائدات بيع النفط بالأسعار العالية.

في الوقت نفسه الصفقة المحتملة قد تحمل المخاطر لإيران، لقد وافقت طهران على المفاوضات على أمل تخفيف بعض من الضغط الاقتصادي. في حالة إبرام تلك الصفقة مع روسيا، فإن المشرعين في الولايات المتحدة سوف يستغلون الفرصة للضغط على (أوباما) وانتقاد الصفقة التي ابرمها مع إيران.

استنادا إلى مصادر روسية وإيرانية قريبة من المفاوضات، فإن الجانبين يناقشان التفاصيل النهائية للاتفاق الذي سيسمح لموسكو بالحصول على ما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني، ما يقرب من نصف مستوى التصدير الحالي في إيران، مقابل معدات وسلع روسية. وبحسب أسعار النفط الحالية التي تقارب 100 دولار للبرميل، ستكسب إيران نحو 1.5 مليار دولار إضافية شهرياً. ولم تتوفر تفاصيل عن المعدات والسلع التي تعرضها روسيا في المقابل.

ولأن روسيا من المصدرين الرئيسيين للنفط والغاز، فمن المرجح تصدير النفط الإيراني من إيران لحساب روسيا على أن تقدم موسكو السلع والمعدات في المقابل، وتتجه أغلب صادرات النفط الإيراني إلى آسيا.

البيت الأبيض

ورداً على ما تردد عن الصفقة وتفاصيلها الكثيرة، برزت المفاجأة بالرد الإيراني، بحيث نفى المدير العام للعلاقات العامة بوزارة النفط الإيرانية (أبر نعمت الله)، توقيع عقد واتفاق بين إيران وروسيا حول تبادل النفط بالسلع والمعدات. وأكد (أبر نعمت الله)، ردا على مزاعم بعض وسائل الإعلام بخصوص اتفاق طهران وموسكو على تبادل النفط بالسلع، أنه لم يتم توقيع أي اتفاق بين البلدين بهذا الخصوص.

لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تصدق هذا النفي. في هذا السياق، أعلن البيت الأبيض أنه يشعر بالقلق لما تردد في الآونة الأخيرة من أنباء التفاوض بين إيران وروسيا بشأن اتفاق لمبادلة النفط الإيراني بالسلع الروسية في معاملات قد تصل قيمتها إلى مليار ونصف دولار شهرياً.

وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض (كيتلين هايدن) إنه إذا صحت الأنباء فإن مثل هذه الصفقة ستثير بواعث قلق خطيرة، لأنها ستتعارض مع شروط اتفاق مجموعة الدول الست مع إيران وقد تستدعي فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران.

وتخشى واشنطن أن تسحب روسيا ورقة الضغط الاقتصادي على إيران منها وهو ما يهدد الاتفاق المؤقت الذي وقع أخيرا حول النووي الإيراني ويهدد أي اتفاق نهائي سيتم إبرامه. وفي هذا الصدد أعرب عضو بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي عن انزعاج بالغ بشأن المعلومات الواردة والتي تشير إلى أن روسيا تملك أجندة خاصة قد تهدد المصالح الأمريكية إلى حد كبير. وقال (إليوت أنجيل) إن التقرير يثير تساؤلات بشأن التزام موسكو بإنهاء مساعي طهران لتطوير برنامجها النووي.

وكانت مصادر روسية وإيرانية قريبة من مفاوضات المقايضة قد قالت إنه تجري مناقشة التفاصيل النهائية لصفقة المقايضة.

الاتفاق النووي

تقول إيران إن برنامجها للطاقة النووية يهدف إلى توليد الكهرباء والاستخدام في الأغراض المدنية الأخرى، وإن كانت محاولات إيران السابقة لإخفاء نشاطها النووي عن مفتشي الأمم المتحدة قد أثارت القلق.

ويقضي الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه بين ايران والولايات المتحدة ودول اخرى في جنيف في 24 من نوفمبر الفائت بتجميد أكثر أنشطة إيران النووية حساسية وهي تخصيب اليورانيوم لمستويات مرتفعة في مقابل تخفيف قيمته 7 مليارات دولار من العقوبات المفروضة عليها.

في المقابل، تعهدت القوى العظمى بعدم فرض عقوبات إضافية على إيران وبتجميد العقوبات على تجارة المنتجات البتروكيميائية، والذهب، والسيارات، وقطع التبديل للطائرات. ويتيح الاتفاق أيضا لإيران أن تواصل تصدير النفط بالمستوى الحالي. ويمكن نقل 4,2 مليارات دولار من مبيعات النفط إلى إيران إذا تممت التزاماتها. أما على المستوى الاقتصادي، فالاتفاق لا يؤدي إلى انهيار منظومة العقوبات، لأنه لا يشمل رفع العقوبات في القطاعين المركزيين: الصناعة المصرفية والنفط. مع ذلك، يمكن أن يؤدي إلى تآكل العقوبات وتشجيع دول وشركات على استئناف علاقاتها الاقتصادية مع إيران. ويمكن أن تستغل شركات غربية التسهيلات لإحكام قبضتها على الاقتصاد الإيراني، وبذلك جعل العقوبات عديمة الجدوى تقريباً.

فليس عبثاً إن حذر الخبراء الأمريكيون من أن رفع جزء من العقوبات يمكن أن يؤدي إلى انهيار السدود من دون قدرة على منع فيضان الشركات العالمية التي ترغب في العودة إلى الأسواق الإيرانية بسبب الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة الكامنة فيها.

لا يحسن الاتفاق النووي الأولى بشكل ملحوظ الاقتصاد الإيراني، لكنه يمكن أن يكبح الميل إلى الانهيار. بشكل أساسي، يستجيب الاتفاق، ولو جزئياً، للتوقعات المرتفعة بتحسين الوضع الاقتصادي، التي نمت لدى الشعب الإيراني منذ انتصار الرئيس الإيراني حسن روحاني.

في ضوء الواقع أن الاتفاق لا يبعد إيران كلياً عن تداعيات العقوبات المفروضة عليها، وبالتالي فإن الاتفاق النفطي الاخير بين روسيا وإيران سوف يساعد طهران إلى حد كبير في تحفيز نمو الاقتصاد وهو امر لا ترغب فيه الولايات المتحدة في هذه المرحلة كونه سيمنح إيران ورقة قوية في المفاوضات النهائية.

21/1/2014