ماذا بعد انطلاق قطار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟

لاهاي - من "أورينت برس"

بعد انتظار دام تسع سنوات، دخل لبنان في "زمن العدالة" مع انطلاق المحاكمات في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، في وقت بات رهان اللبنانيين كبيراً على العدالة الدولية لمعرفة الحقيقة والانتهاء من حقبة الإفلات من العقاب.

واعتبر يوم بدء المحاكمات يوماً تاريخياً بالنسبة للبنان الذي يعيش منذ عام 2005 مسلسلاً لا ينتهي من الاغتيالات السياسية والتفجيرات الأمنية الخطيرة التي تصاعدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وظهرت من وقائع الجلسات الأولى الحرفية العالية التي اتبعت في كل إجراءات المحكمة، ومدى تماسك التحقيق الذي بني على أدلة دامغة.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

دخل السادس عشر من شهر كانون الثاني/يناير من العام 2014 التاريخ كغيره من التواريخ التي طبعت المرحلة السياسية اللبنانية منذ عام 2005 وصولاً إلى يومنا هذا، إذ معه عرف اللبنانيون للمرة الأولى معنى العدالة، عدالة غير خاضعة للابتزاز وللتهديد وللتهويل ولوساطة السياسيين، عدالة دولية أسمى من المزايدات والمقايضات والصفقات التي اعتاد عليها مجتمعنا في زمن التسويات. لكن الأمل يبقى بأن تتمكن المحكمة الدولية من تحديد الجناة ومعاقبتهم هم ومن يحميهم.

حملات تشكيك

تعرضت المحكمة الخاصة بلبنان منذ إنشائها وحتى تاريخ انطلاق عملها لحملات متعاقبة من التشكيك والاتهامات والتسريبات المسيئة إلى صدقيتها، كثر اتهموها بأنها محكمة مسيسة ولا تصلح للفصل في القضايا المطروحة امامها للبت فيها خاصة من جانب حزب الله وأعوانه. ورغم ذلك واصلت مهمتها وعملها بطريقة محترفة أثبتت خلاله للمشككين استحالة توقيف قطار العدالة. وإذا كانت معظم وقائع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري باتت معروفة لدى الرأي العام اللبناني والعالمي من خلال القرار الاتهامي الصادر عن المدعي العام للمحكمة الدولية وتحديثه بمزيد من المعلومات والتحقيقات تباعاً، تشير المعلومات إلى أن بعض المطلوبين من "حزب الله" باتوا في إيران، بينما بعضهم جرى تصفيته كتصفية وقائية.

صراع كبير

ما بين شعار (الحقيقة) في اغتيال الرئيس الحريري الذي رفعه فريق 14 آذار/مارس منذ انطلاقته بوجه النظام السوري وحلفائه في لبنان، وبين تحوله حقيقة بعد نحو خمس سنوات على ولادة المحكمة رسمياً في الأول من آذار/مارس 2009، شهدت ولادة المحكمة صراعاً كبيراً بين فريقي 8 و14 آذار/مارس، وجعلت لبنان يعيش مرحلة من الصراع السياسي المحلي والإقليمي مستمرا حتى يومنا هذا، مع إنطلاق محاكمة القتلة.

وتكمن أهمية المحكمة الخاصة بلبنان أنها الأولى التي يتم تخصيصها لبلد بشكل خاص، وهي تبحث في قضية إرهابية، أدت إنعكاساتها إلى عودة لبنان سنوات إلى الوراء. وعملاً بقرار مجلس الأمن 1757، تم إنشاء المحكمة الدولية الخاصة تحت الفصل السابع في 30 أيار/مايو 2007، بعد رفض لبنان وتنازله عن صلاحية محاكمة المجرمين في محاكمه خوفاً من التمييع والضغوط، أمنية كانت أو سياسية، وتم التحول إلى هذه النتيجة بعد مسار طويل من الصراع السياسي والأمني دفع الأمم المتحدة وبعد مذكرات ورسائل من الحكومة اللبنانية طلبت فيها أن يتخذ مجلس الأمن قراراً ملزماً يفضي إلى إنشاء المحكمة في إشارة ضمنية إلى الفصل السابع.

عمليات الاغتيال

المحكمة التي انطلقت في ظل إصرار شعبي لبناني بمعرفة الحقيقة تحاكم غيابياً خمسة متهمين ينتمون إلى "حزب الله" هم: سليم جميل عياش، مصطفى امين بدر الدين، حسين حسن عنيسي، أسد صبرا وحسن حبيب مرعي الذي تنظر المحكمة في إمكانية ضمه إلى قضية (عياش وآخرين). أما الشهداء الذين تنظر المحكمة في قضيتهم وتسعى لمعاقبة من قتلهم فهم كثر: الرئيس رفيق الحريري (14 شباط/فبراير 2005)، باسل فليحان (18 نيسان/أبريل 2005)، سمير قصير (2 حزيران/يونيو 2005)، جورج حاوي (21 حزيران/يونيو 2005)، جبران تويني (12 كانون الأول/ديسمبر 2005)، بيار الجميل (21 تشرين الثاني/نوفمبر 2006)، وليد عيدو (13 تموز/يوليو 2007)، أنطوان غانم (19 أيلول/سبتمبر 2007)، فرنسوا الحاج (12 كانون الأول/ديسمبر 2007)، وسام عيد (25 كانون الثاني/يناير 2008)، وسام الحسن (19 تشرين الأول/أكتوبر 2012)، محمد شطح (27 كانون الأول/ديسمبر 2013). هذا إضافة إلى الشهداء الأحياء: مروان حمادة، مي شدياق والياس المر.

أعضاء المحكمة

تجدر الاشارة إلى أن هيئة المحكمة الخاصة بلبنان تضم قضاة وخبراء قانونيين مشهودا لهم بالبراعة والحفاظ على مبدأ تحقيق العدالة. فرئيس المحكمة هو السر ديفيد باراغوانث، تولى رئاستها في عام 2011 من القاضي الايطالي انطونيو كاسيسي، الذي استقال لأسباب صحية. وتتمثل مهمة باراغوانث بإدارة عمل المحكمة على الوجه المطلوب، والتوثق من تحقيق العدالة، فضلاً عن تمثيل المحكمة أمام الدول والأمم المتحدة والكيانات الأخرى.

بينما رئيس هيئة الادعاء العام هو الكندي نورمان فاريل، الذي يتمتع بخبرة واسعة في المحاكمات الجنائية الدولية. وقبل أن يعينه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رئيسا لهيئة الادعاء العام في عام 2012، كان فاريل نائب رئيس هيئة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة. وعمل فاريل خلال الفترة الواقعة بين 2002 و 2003 في قسم الاستئناف التابع للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا. وقبل أن ينتقل فاريل للعمل في المحاكم الجنائية الدولية، عمل مستشارا قانونيا لمنظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية.

إلى ذلك، يرأس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الفرنسي فرانسوا رو، الذي قرر تعيين تسعة محامين لتمثيل المتهمين الخمسة من عناصر «حزب الله». وكثيرا ما يكون مكتب الدفاع تابعًا لقسم التسجيل الذي يتولى القضايا الادارية. والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي الأولى التي لهيئة الدفاع فيها مكتب مستقل خاص بها.

وكان رو أعلن أن دور الدفاع كثيراً ما يهمل في القضايا القانونية، رغم أنه عنصر حاسم من عناصر العدالة. وقال في حديث صحفي إنه لاحظ خلال سنوات عمله محامي دفاع في المحاكم الدولية أن محامي الدفاع لا يحظون بالقدر الكافي من الاحترام.

أما الهيئة الرابعة والأخيرة في المحكمة فهي قسم التسجيل، برئاسة داريل مونديس الذي عين في ربيع العام الماضي، عندما انتقل سلفه هيرمان فون هيبل إلى منصب آخر في المحكمة الجنائية الدولية. وكان مونديس في السابق رئيس هيئة الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهو مسؤول عن ميزانية المحكمة وحماية الشهود ومساندتهم وتنفيذ واجبات إدارية عامة. ومونديس أمريكي، كان كبير أعضاء هيئة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، والمدعي العام الأول في قضايا ضد عدد من كبار مجرمي الحرب. وعمل مونديس مع قضاء البحرية الأمريكية قبل أن ينتقل إلى المحكمة الخاصة بيوغسلافيا.

فضلاً عن ذلك، هناك اربعة قضاة لبنانيون، هم القاضي رالف رياشي، نائب رئيس المحكمة، هو الرئيس السابق للمحكمة التجارية في بيروت. كما عمل رياشي في مكتب الادعاء العام المالي من 1992 إلى 1993، وترأس محكمة التمييز في جبل لبنان، وانتخب قاضياً في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في عام 2000. استقال رياشي من مجلس القضاء الأعلى اللبناني في عام 2008 احتجاجاً على تأخير التشكيلات القضائية.

القاضي عفيف شمس الدين الذي عمل فترة طويلة أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية، وكان عضو هيئة قضاة محكمة التمييز الجنائية اللبنانية. وترأس شمس الدين من 1996 إلى 2008 الغرفة الثالثة لمحكمة التمييز وعضو هيئة قضاة محكمة العدل.

والقاضية ميشلين بريدي عملت في غرفة محكمة التمييز الجنائية في منطقة جبل لبنان، ومحكمة التمييز اللبنانية. وهي الآن عضو في هيئة قضاة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. والقاضي وليد عاكوم، قاضي رديف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عمل قاضي تحقيق في بيروت ورئيساً للهيئة الاتهامية في جنوب لبنان. وأسهم عاكوم في تدريب قضاة كثر.

23/1/2014