فضيحة الفساد تهز أركان الحكومة التركية

إسطنبول - من "أورينت برس"

تهز فضيحة الفساد الحالية في تركيا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، وتؤثر عليه بشكل مباشر ولا سيما مع الاتهامات الخاصة بتورط عدد من الشخصيات وكبار المسؤولين ورجال الأعمال المقربين منه في هذه القضية الكبيرة. فهناك أربعة وزراء، الداخلية والاقتصاد والتخطيط والشؤون الأوروبية، يشتبه في تورطهم في فضيحة الفساد الواسعة النطاق في القطاع العقاري، وفي المعاملات المالية غير المشروعة مع إيران، حتى ان نجلي وزيري الاقتصاد والداخلية هما الآن رهن الاحتجاز على ذمة هذه القضية وسط تقارير صحفية عن أن النيابة طلبت رفع الحصانة عن أربعة وزراء.

وتتزايد الدعوات للوزراء بالاستقالة من جانب الوسط السياسي ووسائل الإعلام.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

بعد فضائح الفساد التي شملت أبناء لوزراء في حكومة رجب طيب أردوغان بات كل شيء يقوم به الأخير موضع تساؤل ومحاسبة وهو منعرج خطير سيقضي حتماً على المستقبل الانتخابي لـ"حزب العدالة والتنمية".

ويذهب مراقبون إلى أن الفساد الذي كشف عنه أخيراً يعتبر من أقوى الضربات التي توجه إلى أردوغان وهو الذي يعد نفسه لانتخابات محلية مرتقبة في شهر آذار/مارس المقبل وأخرى رئاسية في الصيف المقبل لم يخف طموحه لخوضها.

صدمة تركية

هي صدمة إذن فضحت كل الأروقة الفاسدة المحيطة برئيس الوزراء التركي، وحكومته وحزبه "العدالة والتنمية"، إحدى أذرع التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين. غير أن أردوغان كعادته وجه أصابع الاتهام إلى أطراف خارجية لها أياد داخلية محاولاً تسليط الأضواء على الأعداء الأجانب، مشيراً إلى خصوم وهميين ككبش فداء لاستراتيجيته الفاشلة ورفضه تقبل فضائح الفساد.

يرى الخبراء ان أردوغان يحاول دائماً الهروب من مسؤوليته ومسؤولية حزبه "العدالة والتنمية" أمام جميع المشاكل الحاصلة. لذلك فهو يرفضون زعم أردوغان في قضية الفساد الأخيرة وجود تشكيل عصابي داخل الدولة يسعى إلى تشويه صورة حزبه متوعداً بالكشف عن ذلك التشكيل العصابي والقضاء عليه.

ويعتقد المعارضون أن القضاء والأمن يحاولان الكشف عن الفساد في القطاع الحكومي، في حين تسعى السلطة السياسية لتورية ذلك الفساد، مشيرين إلى أن أحداث (ميدان تقسيم) كشفت رغبة الشباب التركي في التغيير، لذلك فهم لن يسكتوا عن الفضيحة الراهنة، علماً أن إقامة "حزب العدالة والتنمية" للتجمعات الجماهيرية، وخطب رئيس الوزراء في أنقرة واسطنبول ومدن كثيرة للتبرير لم تصل إلى أي نتيجة. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة تصر على إخفاء تقرير لجنة المحاسبة والتفتيش المالي عن السنوات الثلاث الأخيرة، والذي يكشف فساداً مالياً وإدارياً مستشريين.  

أنصار أردوغان

في المقابل، يرى انصار اردوغان ومحبوه أن الفساد المتحدث عنه الآن لا يعدو أن يكون حملة تشهير مخطط لها. ويقرون بأن الحكومة ستحترم الإجراء القضائي الذي أطلق ضد مقربين من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بتهمة الفساد. ويقول هؤلاء: "نحترم دائماً قرار القضاء ولن نتدخل فيه في أي حال من الأحوال"، مؤكدين أن 51 شخصاً لا يزالون مسجونين على ذمة التحقيق في إطار هذه القضية.  

ورغم أن أردوغان يؤمن ببراءة الوزراء، فإن بإمكانه أن يطلب منهم الاستقالة أو يمكنهم القيام بذلك بملء إرادتهم.

ويضع المقربون من اردوغان هذه الحملة في اطار «حملة تشهير مخطط لها» وفي سياق «حرب نفسية» ضد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم منذ 2002 من دون اتهام أي طرف. لكن يعول المقربون على ما قالته الحكومة التركية إنها ستتخذ على عاتقها الكشف عن منظمات قد تكون مستترة تحت عباءة الدولة، ومتغلغلة داخلها، وأن الحكومة التركية لن تكون أبدا في صف من تثبت عليه جريمة التورط بقضايا فساد.

ويعتقد الخبراء الموالون لأردوغان أن الحكومة ستقف خلف القضاء وتدعم مسيرة التحقيق، حتى لو كان بين المتورطين أسماء مقربة منها، لأن حكومة "العدالة والتنمية" تقف على مسافة واحدة من الجميع. ويشددون على ضرورة تسهيل وفتح الطريق أمام سير العملية القضائية، واحترام الأحكام الصادرة عن القضاء، وأن الحكومة التركية تمتلك إرادة سياسية قوية، تهدف إلى اقتلاع جذور الفساد من تركيا. كما يلمحون إلى أن الحكومة التركية تمتلك معلومات حول انتهاء مرحلة متابعة الأمن التركي للمشتبه بتورطهم في قضايا الفساد قبل 6 أشهر، علماً أن تلك المرحلة استمرت طيلة 14 شهراً، لافتين أن سير العملية بذلك الشكل، ينم عن حرب نفسية تحاك ضد الحكومة، بغية إجهاضها وتفكيكها.

سرّية التحقيقات

ويؤكد فريق اردوغان أن القانون التركي كفل مبدأ سرية التحقيقات، معتبراً أن انتهاكها يعد جريمة، وأن الحكومة التركية لا تعلم حتى الآن بمضمون ملفات الادعاء والخروقات، فضلاً عن أنها لا تمتلك الصلاحيات من أجل المطالبة بتلك الملفات والإطلاع عليها، إلا أن وسائل الإعلام بثت أخباراً بصور عن اعتقالات شملت رجال أعمال وصحفيين وفنانين، وكل ذلك هو جزء من الحرب النفسية التي تشن على الحكومة التركية.

ويرى الفريق الداعم للحكومة أنه لا فائدة من الإيقاع بين الحكومة وجماعة «فتح الله غولن» الإسلامية، أو إيهام الرأي العام أن الحكومة تعيش صراعا مع أي من الجماعات، لأن الحكومة أثنت على الجهود الحثيثة التي تبذلها الجماعة في مجالات التعليم ومجالات أخرى في تركيا، كذلك يؤمن حزب العدالة والتنمية بأن حبه لتركيا لا يزيد على حب الجماعات لها.

ويعتقد الخبراء أن حزمة الإصلاحات التي قدمتها الحكومة تحمل 20 عنوانا تعزز مجالات الحرية، والشعب كان ممتنا لهذه الحزمة، مشيرين إلى أن الانتقادات أمر طبيعي، لكن بعض الانتقادات أتت قبل أن يتم إعلان رزمة الإصلاحات، ولذلك فالحكومة لا تأخذ هذا النوع من الانتقادات في الاعتبار. لكن ثمة انتقادات أخرى تأخذها في الاعتبار وتدرسها لأنها تنطلق من خلفية إيجابية تريد الإصلاح لا العرقلة.

محاربة الفساد

لكن من الواضح ان هذه التصريحات وكل محاولات الحكومة التركية للجم غضب الشعب التركي لن تفلح في منعه من التحرك ضد فضائح الفساد ومن المطالبة باستقالة الوزراء في حال ثبت تورطهم.

وتجدر الإشارة الى ان اتحاد العلماء المسلمين دعا الشعب التركي الى الالتفاف حول حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، والحفاظ على الإنجازات التاريخية التي حققتها، وطالب الأقلية المعارضة باحترام رأي الغالبية العظمى من الشعب التركي، وبالكف عن تدمير ممتلكات الدولة والأفراد، وعدم الانسياق وراء المؤامرات الخارجية، التي تحاك ضد تركيا، لمواقفها المشرفة من قضايا أمتها الإسلامية، وعبر عن "تأييده بقوة" للقوانين والإجراءات التي تقضي على الفساد الأخلاقي والاجتماعي بتركيا، وأشاد بالإنجازات التي حققتها حكومة أردوغان، لكن من المؤكد ان ذلك لن يسكت أصوات المعارضة التي كشفت لها الفضائح الأخيرة محدودية الشعارات التي كان يرفعها أردوغان وأبانت للمجتمع التركي أن الفساد ساكن في محيط الحكومة التركية وفي خاصرة حزب العدالة والتنمية.

ويذهب مراقبون إلى أن القضايا الجديدة التي فتحت في وجه أردوغان وحكومته ستخلق مسارا مغايرا في طريق العدالة والتنمية نحو البقاء في السلطة. ذلك أن الشعب التركي أفاق على حقيقة الحزب الذي طالما رفع شعارات مقاومة الفساد ومحاربته، فإن العديد من السلوكات كشفت ما كان يحاول أردوغان وحكومته إخفاءه. من ذلك الطريقة التي واجهت بها الحكومة الاحتجاجات الأخيرة التي عصفت بالبلاد بعد محاولتها تحويل (جيزي بارك) إلى مسجد، وكانت ممارساتها منتهكة لحقوق الإنسان من خلال القمع الذي نتجت عنه إصابات عديدة في صفوف المتظاهرين.

25/1/2014