استفتاء سويسرا حول المهاجرين يغضب الاتحاد الأوروبي
جنيف - من "أورينت برس"
أثار الاستفتاء الذي أجرته سويسرا أخيراً والذي صوتت فيه الأغلبية بنسبة 50,3 في المائة بالموافقة على الحد من تدفق المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي إلى سويسرا، صدمة شديدة داخل الاتحاد الأوروبي على المستويين الرسمي والرأي العام. كما جلب وابلاً من الانتقادات إلى قادة البلاد التي تعد واحدة من اغنى الدول في العالم.
لايزال عدد من السويسريين يأملون ألا تتطور الأمور نحو الأسوأ، وألا تترجم تهديدات المفوضية الأوروبية إلى أفعال، فتلغى العقود المبرمة بين بلادهم والاتحاد الأوروبي، كما دعا إلى ذلك بعض أعضاء البرلمان الأوروبي.
"أورينت
برس" أعدت التقرير التالي:
في مجموعة من القرى والبلدات المختارة بعناية التي اجري فيها استفتاء حول المهاجرين، كانت المفاجأة أن الغالبية من المواطنين قد صوتوا بالموافقة على ضرورة الحد من تدفق المهاجرين إلى بلادهم، لكن تجدر الاشارة إلى ان الاستفتاء شمل نسبة صغيرة من مجموع سكان سويسرا ولم يكن عاماً. تقليدياً تفسر نتائج عمليات استفتاء مثل التي حدثت في سويسرا بأن سببها المشاعر المعادية للمهاجرين في الأحزاب اليمينية والشعبوية التي تصاعدت في السنوات القليلة الماضية والتي اكتسبت شعبية بين الناس وروجت لأفكارها. وفي ظل الظروف الاقتصادية المضطربة السائدة منذ عام 2008، ذهبت الأحكام التقليدية إلى الالقاء باللوم على وجود المهاجرين واعتبارهم عبئاً على الدولة.
مجموعات
المهاجرين
لكن التحليل لا ينطبق على الحالة السويسرية، فعدد السويسريين يزيد قليلاً على سبعة ملايين، ومن بين العدد الإجمالي الذين صوتوا بالفعل في العملية التي جرت في التاسع من شهر شباط/ فبراير لم يرجح كفة التصويت إلا 19 ألف شخص فقط. ويقيم في سويسرا ما إجماليه 125 ألف أجنبي، بينهم سائقو سيارات السباقات الرياضية ونجوم في السينما والتنس وكرة القدم الأوروبية وسماسرة متقاعدون وأشخاص أثرياء لا يرغبون في أن يدفعوا الضرائب في بلدهم الأصلي، وهم يسهمون في رفاهية السويسريين إلى حد كبير. وأكبر مجموعة من المهاجرين المقيمين في سويسرا هم الألمان ويمثلون 24 في المائة، وإذا أضيف النمساويون، فإن المهاجرين الناطقين بالألمانية يشكلون أكثر من الربع. وثاني أكثر الجماعات عدداً هم البرتغاليون ويمثلون 14,4 في المائة، وبعدهم يأتي الإيطاليون ويمثلون 12,9 في المائة، والفرنسيون ويمثلون 10,7 في المائة، والإسبان ويمثلون 5,9 في المائة. والسكان الأفارقة في سويسرا نسبتهم 4,3 في المائة، ويزيد الآسيويون قليلاً على اثنين في المائة. فشوارع البلد ليست مزدحمة بالعمال الأجانب الفقراء ولا بأفراد أسرهم الممتدة الذين يرتدون ملابسهم الوطنية الغريبة ويتحدثون لغتهم الأصلية. سويسرا غير نمطية والمقارنات مع الهجرة في دول اوروبية اخرى مضللة تماماً.
سياسة
احتواء المهاجرين
المهاجرون الحاليون في غرب أوروبا، كان السبب في وجودهم هو توظيف العمال لبناء المدن التي دمرتها الحرب العالمية الثانية والعمل في المصانع الأوروبية دون التفكير إذا ما كانوا سيعودون في نهاية المطاف إلى ديارهم، وهو ما لم يفعلوه، ومع نهاية الحقبة الاستعمارية عاد عشرات الآلاف إلى (ديارهم) في أوروبا التي لم يروها قط، لكنهم يحملون جواز سفرها. وأدت الحروب في آسيا و"الشرق الأوسط" إلى هجرات غير قانونية إلى غرب أوروبا. والاضطرابات الحالية الخاصة بالمهاجرين في أوروبا وفي الدول الأوروبية المضيفة، سببها الفشل واسع النطاق في احتواء المهاجرين ثقافياً وسياسياً.
وفي أوروبا الغربية، هناك نموذجان لاحتواء المهاجرين في المجتمعات المضيفة. أكثرها نجاحاً، النموذج الفرنسي الذي يطالب المهاجرين بأن يدمجوا أنفسهم في المجتمع من خلال الالتحاق بمدارس فرنسية تعمل على الاحتواء الثقافي بقوة، ويطالبهم بتحدث اللغة والتسليم ضمناً بتفوق الثقافة الفرنسية. والنموذج الثاني هو بريطانيا والكثير من الدول الاسكندنافية، حيث يفترض أن يشكل المهاجرون مجتمعاتهم ذاتية التنظيم ويمارسوا شعائرهم ما دام أنها قانونية بمساعدة من الدولة. وهذا نموذج للتعدد الثقافي الذي لا يسعى للاحتواء الثقافي، لكن يترك هذا لمغامرة الاحتكاك بالثقافة الشعبية وتجربة الحياة في حضارة مختلفة، وهذا النموذج يميل إلى إنتاج غربة وعزلة المهاجرين. والفشل في النموذجين مسؤول عن الافتقار إلى مستوى مطمئن من التكيف والاحتواء والمشاكل الاجتماعية الكثيرة الناجمة عن الهجرة واسعة النطاق من حضارة إلى أخرى. إنه السبب أيضاً في تصاعد المقاومة في أوروبا الغربية للهجرة من ثقافات مختلفة وجاليات المهاجرين كما تجلى في سويسرا.
خلافات
مع أوروبا
بالعودة إلى سويسرا، فمن المتوقع أن يخلق الاستفتاء الاخير توترات بين سويسرا والاتحاد الاوروبي في بروكسل الذي ذكر انه سيدرس تداعيات هذه النتيجة على الاتفاقيات الاخرى المبرمة بين بيرن العاصمة السويسرية وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي. ويصوت السويسريون أربع مرات في السنة على مسائل مختلفة تتعلق بالمصلحة الوطنية أو بالمقاطعات او بالبلديات طبقا لنظام الديموقراطية المباشرة في سويسرا.
وكان توجه الناخبين في سويسرا إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في إستفتاء بشأن وضع حد أقصى لعدد المهاجرين الأجانب في البلاد قد اثار لغطا ليس في الخارج فحسب بل ايضاً في الداخل.
ويعتقد محللون أنه نتيجة الاستفتاء قد يعاد النظر بالعلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي. وستعتمد سويسرا نظام الحصص الذي يحدد عدد المهاجرين تبعا لحاجاتها، وهو نظام كانت تتبعه قبل إبرام الاتفاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، ويحمل كثيرا من المتاعب الإدارية بالنسبة لأرباب العمل. وحذرت معظم الأحزاب السياسية والمجموعات التجارية السويسرية من أن الموافقة على الحد من تدفق المهاجرين يمكن أن تكون له عواقب سلبية على العلاقات السويسرية مع الاتحاد الأوروبي أهم شريك تجاري للبلاد. وقال حزب الشعب السويسري، صاحب الأغلبية في البرلمان وقائد التحالف اليميني صاحب مبادرة الاستفتاء، إن سوقي الوظائف والإسكان في الدولة الصغيرة، إضافة إلى بنيتها التحتية العامة لا يمكن أن يتكيفا مع تدفق المهاجرين إلى البلاد، وأشار إلى أن ثمانين ألف مهاجر دخلوا سويسرا في الأعوام الأخيرة.
لكن في المقابل، قالت مجموعات تجارية إن سويسرا تحتاج إلى عمال أجانب مؤهلين على مستوى عال حتى تحافظ شركاتها على نموها. بدوره، أكد الاتحاد الأوروبي مسبقا أن وقف سويسرا العمل باتفاق حرية التنقل سيؤدي آليا إلى إلغاء جميع الاتفاقات الأخرى المبرمة بين بيرن والاتحاد الأوروبي.
ويرد المؤيدون لنتيجة الاستفتاء بالقول إن الأمر يتعلق بمسألة سيادة وطنية، وأن على البلاد ألا ترضخ لما يملى عليها أوروبيا. وللاستفتاء خلفيات، فسويسرا بلد صغير يبلغ تعداد سكانه ثمانية ملايين نسمة، وهي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، لكنها محاطة بدول أعضاء في الاتحاد. وقد وافقت سويسرا المرتبطة باتفاقات ثنائية مع الاتحاد الأوروبي تم التوصل إليها بعد مفاوضات مضنية أثناء خمس سنوات على فتح سوق العمل فيها أمام الفئات العاملة في الاتحاد الأوروبي والمقدر عددها بخمسمائة مليون.
وعند دخول اتفاق حرية التنقل حيز التنفيذ بصورة تدريجية منذ عام 2002، أعلنت السلطات أن عدد الواصلين لن يتجاوز الثمانية آلاف كحد أقصى، غير أن سويسرا التي تحظى باقتصاد جيد في ظل الأزمة التي تشهدها منطقة اليورو تستقبل ثمانين ألف وافد جديد سنويا إلى سوق عملها.
نسبة
الأجانب
ونجح التحالف اليميني في جمع 135 ألف توقيع لتنظيم مثل هذا الاقتراع، وهو نهج متبع في النظام السياسي السويسري الذي يرتكز على الديمقراطية المباشرة.
ويرى المدافعون عن خيار الحد من تدفق المهاجرين أن الهجرة الأوروبية الكثيفة المسجلة في السنوات الأخيرة هي سبب الكثير من الآفات التي تعانيها سويسرا، مثل وسائل النقل المشترك المكتظة بشكل مفرط ونقص المساكن.
وفي عام 2013 كان الأجانب يمثلون 23,5 في المائة (1,88 مليون شخص) من التعداد السكاني في سويسرا. وقبل اتفاقات حرية التنقل مع الاتحاد الأوروبي كان هناك نحو 20 في المائة من الأجانب في سويسرا، وحالياً فإن 1,25 مليون شخص من هؤلاء الأجانب يأتون من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الرابطة الأوروبية لحرية التبادل.
3/3/2014