منتدى دافوس في دورته الـ44 وإعادة تشكيل العالم

دافوس - من "أورينت برس"

في مجمع راق للتزلج في سويسرا، اجتمع كبار قادة العالم ورجال الأعمال والمستثمرين، ومئات الرؤساء التنفيذيين، والسياسيين، وقادة المنظمات غير الحكومية، والمجتمع الإعلامي، في احتفالية اقتصادية سنوية خلال انعقاد (منتدى دافوس الاقتصادي).  

شعار المنتدى لهذا العام كان (إعادة تشكيل ملامح العالم: النتائج المتوقعة على المجتمع والسياسة والأعمال)، وهو شعار يجد نفسه غريباً إذا ما قورن بالشعارات الاقتصادية التقليدية الصرفة، التي صبغت المنتدى سابقاً. فإلى جانب المواضيع الاقتصادية والمالية المهمة، حازت قضايا أخرى على اهتمام المجتمعين مثل تغير المناخ وتأثير التكنولوجيا على الأعمال والبيئة.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

رغم أنها من أشهر منتجعات الاسترخاء في أوروبا والعالم، إلا أن الرسالة كانت واضحة من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام، وهي أنه لا مجال للاسترخاء والراحة أمام العالم في الفترة المقبلة. فقد تأرجحت التوقعات الاقتصادية بين التشاؤم المفرط والقليل من التفاؤل في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي العالمي للعام الحالي والأعوام القادمة.

خلال المنتدى الذي استمر أربعة أيام ما بين 21 و25 كانون الثاني/يناير الفائت، تبادل ما يزيد على 2500 مشارك من قرابة 100 دولة، من بينهم أكثر من 1500 رجل أعمال وما يزيد على 40 رئيس دولة أو حكومة وجهات النظر حول الأساليب المحتملة لحل مشكلات مثل الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد مرور خمس سنوات على الأزمة المالية. كما تبادلوا وجهات النظر حول الآفاق المالية المستقبلية، والطاقة الجديدة، والصحة، وتغير المناخ.

النمو الاقتصادي

وقد هيمنت على دافوس هذه السنة هواجس تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل في الدول الصناعية، للخروج من الازمة العالمية وتعزيز الانتاج، وتوفير أسواق جديدة للشركات متعددة الجنسيات. كل ذلك يتطلب فرصاً جديدة للاستثمارات، وسياسات وتدابير تحفيزية تطال الاقتصاد الكلي والهيكلية المالية في الدول النامية. وفيما كانت الأزمة المالية التي ضربت أوروبا وأثرت على قيمة اليورو، خفت حدة المحاذير من احتمالات انهيار العملة الأوروبية الموحدة في الجلسات المتعلقة بالسياسات المالية أثناء المنتدى مقابل ظهور تحذيرات مختلفة من تأثير ظاهرة البطالة بين الشباب في أوروبا. وفي جلسات نقاش مخصصة حول مستقبل أوروبا المالي، وكيفية استعادة عافيتها، اتفقت الآراء على أن منطقة اليورو قد تبقى لسنوات أو حتى عقود في مسار نمو اقتصادي بطيء وغير متجانس، مما سينعكس سلباً على جيل كامل من الشباب المحبطين أصلاً بسبب انتشار البطالة بينهم بل يمكن، أيضاً، أن يصبح مصدراً لاضطرابات سياسية.

في الواقع، نظر الخبراء الاقتصاديون في منتدى دافوس، بتفاؤل مشوب بالحذر إلى توقعات نمو الاقتصاد للعام الحالي، إذ يتوقع أن تتخلل نهاية فترة برامج التحفيز الاقتصادية الطارئة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي وعدد من دول العالم اليوم، الكثير من المطبات. صحيح أنه ربما تكون قد توارت أجواء الأزمة المالية وتراجع شبح الانهيار الذي سيطر على دافوس خلال الأعوام الثلاثة السابقة على كافة المستويات، إلا أن هذا لا يعني مطلقاً العودة إلى أيام الفورة الاقتصادية الماضية، فهناك عالم جديد يتبلور اليوم ولا شك سيكون هناك أيضاً لاعبون جدد فيه مثل الصين واليابان وعدد من الدول الآسيوية النامية.

تحسن نسبي

في هذا الاطار، حذر عدد من المشاركون في المنتدى، الحكومات من الشعور بالرضا والركون إلى الراحة بفعل حالة التحسن النسبي الذي يشهده الاقتصاد العالمي أخيراً بشكل عام، خشية أن يتحول هذا الشعور إلى نوع من الثقة والاطمئنان الزائد تجاه الإصلاحات التي يرغب الجميع أن يراها للتأكد من وجود تعاف حقيقي ما زالت تحوم حوله الكثير من الشكوك. إذاً الرسالة واضحة: "لا مجال للاسترخاء" ويجب الاستمرار في تعزيز النمو ودفع عجلة الاقتصاد حتى التأكد من عبور خط الأزمة. ورغم أن مخاوف انهيار اليورو والاتحاد الأوروبي قد تراجعت، ورغم أن الولايات المتحدة استطاعت تجنب الوقوع في المنزلق المالي الذي هدد بدفع أكبر اقتصاد في العالم نحو ركود جديد، إلا أنه ما زالت هناك مخاوف من أن تصيب الحكومات حالة من الاسترخاء والرضا الزائد والتساهل تجاه إجراءاتها وخطواتها لتحسين النمو وخفض العجز والدين في ميزانياتها والذي تطالب به العديد من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

ورغم أن هذا الأخير يقدر نمو الاقتصاد العالمي بنحو 3,5 في المائة لهذا العام بشكل أفضل من سابقه الذي بلغ 3,2 في المائة، إلا أن هذا التحسن يشوبه الكثير من الخلل وعدم التوازن. فبينما منطقة اليورو واليابان ما زالتا تعيشان حالة من الركود، شهدت الاقتصادات الناشئة مثل الصين نمواً متسارعاً على نحو ملحوظ. لكن مع ذلك، تخوف المستثمرون المشاركون في المنتدى من مؤشرات ضعف في قطاع الصناعة الضخم في الصين وبوادر أزمة بالقطاع المصرفي وسط توقعات بأن يواصل الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، سياسة تحجيم الحوافز المالية التي من شأنها أن تترك تبعات سيئة على الاقتصاد الصيني وأن تعزز المنافسة الأمريكية.

العالم العربي

أما في العالم العربي، فكبيرة هي الفجوة التي تفصل بين القضايا الكبرى التي تهم العالم بشكل عام وبين قضاياه ومشاكله. وبدا واضحاً أن على العالم العربي أن يعمل على حل مشاكله بنفسه، وألا يتوقع كثيراً من العون أو المساعدة من الدول الكبرى، خاصة أن هذه الدول لديها ما تعانيه من مشكلات وأزمات داخلية وخارجية. فكان لافتاً رغم المشاركة العربية الكبيرة في المنتدى، غياب الاهتمام بالتنمية الاقتصادية في العالم العربي والشرق الأوسط، وتركز الاهتمام على الأزمة السورية، وعلى دول «الخريف العربي» وليس الربيع العربي كما اعتبر بعض المحللين في المنتدى، فضلاً عن الدور الذي تلعبه إيران بالمنطقة، وتراجع دور تركيا في الفترة الأخيرة بسبب فضائح الفساد التي ضربتها، ورغم أن المسؤولين الأتراك الذين شاركوا في المنتدى حاولوا اعطاء صورة جيدة عن بلدهم، والتغاضي عن التأثير السلبي لتراجع الليرة التركية، إلا أن خفوت الدور التركي في دافوس كان لافتاً هذا العام.

اختتام الأعمال

وقد اختتم المنتدى الاقتصادي العالمي أعمال دورته الـ44 بمجموعة من التحذيرات أطلقها أكاديميون وخبراء اقتصاديون إلى صناع القرار الاقتصادي سواء في الحكومات أو القطاع الخاص، كما أبدى العديد منهم آمالاً ضعيفة بانتعاش الاقتصاد العالمي بسبب مخاوف حول المخاطر الكبيرة التي لا تزال قائمة.

وتمحورت التحذيرات حول توعية المؤسسات الاقتصادية الخاصة بضرورة تحمل المسؤولية والمساهمة في حل المشاكل العالمية البيئية منها والاجتماعية ذات الصلة بالفقر وتحسين مستويات المعيشة وصولاً إلى الحد اللائق للحياة لمواجهة التحديات التي يواجهها صصالعالم بشكل عام.

وكان لافتاً هذا العام اهتمام دافوس بالشؤون الاجتماعية والانسانية إلى حد كبير، فقد اعتبر المنتدى ان اتساع الفجوة المزمنة بين الأغنياء والفقراء هو ما يشكل أكبر تهديد للعالم في 2014 حتى مع بدء تعافي الاقتصادات في دول كثيرة، لافتاً إلى أن التفاوت في الدخل والاضطرابات الاجتماعية المصاحبة له هي المشكلة التي سيكون لها على الأرجح تأثير كبير على الاقتصاد العالمي في السنوات العشر القادمة.

أما التغير المناخي، والطقس الشديد السوء، فقد صنفا من قبل المنتدى الاقتصادي، كثاني العوامل التي من المرجح أن تسبب صدمات للأنظمة المالية والاقتصادية.

حضور إيراني

تميز منتدى دافوس في دورته الأخيرة، بحضور إيراني رفيع المستوى ممثلاً بالرئيس الإيراني حسن روحاني الذي جذب الأضواء بدعوته الشركات العالمية للعودة إلى السوق الإيرانية.

ففي دافوس، كان روحاني يعلن بوضوح أمام 2500 سياسي واقتصادي من قادة النظام الرأسمالي العالمي أن بلاده تنوي السير على درب الانفتاح الاقتصادي، وهذا كان جلياً في كلمته وعلى النحو التالي "نحن مستعدون لفتح إيران أمام الاستثمارات الخارجية، خصوصاً في صناعات السيارات والنفط والغاز والبتروكيماويات والطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية والتعدين".

وكان الرئيس الإيراني قد أبلغ رؤساء تنفيذيين في شركات نفط وغاز، بينها (إيني) و(بي بي) و(توتال) و(رويال داتش شل)، أن إيران ستضع بحلول شهر أيلول/سبتمبر المقبل "نموذجاً استثمارياً جديداً وجذاباً لعقود النفط"، وذلك سعياً إلى تشجيع الشركات الأمريكية والغربية الكبرى على العودة إليها. وأعلن روحاني استعداد بلاده "لتعاون بنّاء من اجل تعزيز أمن الطاقة في العالم، واستغلال مواردها الضخمة من النفط والغاز"، مضيفاً: "نحن مستعدون للبدء بعملية جدية لتشكيل منظمة جديرة بالثقة، من اجل هذه الشراكة على المدى البعيد".

كما تعهد أن تنتهج إيران "سياسات اعتدال وتعقّل وأمل في الاقتصاد العالمي"، معتبراً أن "الاقتصاد الإيراني قادر على أن يكون بين أفضل 10 اقتصادات في العالم في العقود الثلاثة المقبلة. ونحن عازمون على إعادة فتح العلاقات التجارية والصناعية والاقتصادية، مع كل دول الجوار".

وخيراً أعرب أعن أمله بتطبيع العلاقات الاقتصادية التاريخية العميقة مع أوروبا، لافتاً إلى أن العلاقات الإيرانية الأمريكية "دخلت مرحلة جديدة". وكرّر أن من أولويات حكومته "التعامل البنّاء مع العالم".

30/1/2014