قمع الصحف في إيران مستمر.. إغلاق صحيفة "بهار" لأسباب دينية

بيروت - من "أورينت برس"

في خطوة معاكسة للنهج المعتدل الذي اختاره الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، قررت السلطات الإيرانية إغلاق صحيفة "بهار" الموالية للتيار الإصلاحي في البلاد، وذلك بدعوى "التهجم على القيم الإسلامية". وقد منعت هيئة مراقبة الإعلام صحيفة "بهار" اليومية من الصدور بموجب قانون يسمح بإغلاق وسائل الإعلام التي "تنتهك مبادئ الإسلام أو تهين الدين الإسلامي."

وكانت صحيفة "بهار" قد نشرت مقالاً افتتاحياً شككت فيه بقيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتعيين علي بن أبي طالب ولياً له، وهو كلام يناقض أحد الأركان المهمة للمذهب الشيعي. وكان رؤساء تحرير "بهار" قد أغلقوا الصحيفة طوعاً لمدة أسبوعين فيما يبدو أنها محاولة لتفادي الإغلاق الرسمي.

يذكر أن القضاء الإيراني أغلق منذ عام 2000 أكثر من 120 صحيفة موالية للتيار الإصلاحي وسجن العشرات من الصحفيين والكتاب.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

منعت لجنة الاشراف على الصحف الايرانية صحيفة "بهار"، وتعني الربيع بالفارسية، الإصلاحية من الصدور لنشرها مقالة تشكك بحسب منتقديها بـ"المعتقدات الشيعية" كما أوردت وسائل الإعلام الإيرانية.

وهذه اللجنة التي تعمل تحت إشراف وزارة الثقافة مكلفة مراقبة الصحف ومنح أو سحب تراخيصها. وكانت المقالة المذكورة أثارت انتقادات كثيرة تندد بتشكيك كاتبها باختيار النبي محمد عليه الصلاة والسلام الإمام علي (كرم الله وجهه) أول خليفة له بحسب معتقدات "المسلمين الشيعة".

والشيعة يشكلون الغالبية في إيران. إذ يمثل الشيعة أكثر من 65 في المائة من التعداد السكاني فيما يشكل السنة والزردشتيون والمسيحيون واليهود التعداد الباقي.

وقد قدمت إدارة الصحيفة اعتذاراتها مؤكدة أن المقالة كانت "مخالفة للخط السياسي للصحيفة" وتحدثت عن "خطأ غير مقصود". وأمام مواصلة الاحتجاجات علقت صحيفة "بهار" صدورها،  طواعية لمدة أسبوعين.

فيما اعتبر وزير الثقافة علي جنتي "أن مقالة صحيفة (بهار) تزوير لتاريخ الإسلام وتثير انقسامات دينية". وأضاف "للأسف تضمنت المقالات المنشورة بعد ذلك لتصحيح هذه المقالة الأولى عناصر ضد إخواننا السنة. وينص القانون على خطوات ضد أي منشورة تثير توترات دينية واثنية". كما أوضح أن الصحيفة تلقت منذ سنة "تحذيرات عدة بدون ان تعيرها اهتماما".

وكان سبق أن تم إغلاق صحيفة "بهار" تحديداً لكنها منذ عام 2011 عاودت بهار وصحف يومية إصلاحية أخرى الصدور خاصة صحيفة "شرق" بعد حظرها سنوات عدة. وكان الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الذي انتخب بدعم من الإصلاحيين والمعتدلين قد وعد بمزيد من الحرية. وقد أفرج في الأسابيع الأخيرة عن عدد من الصحفيين الإصلاحيين.

اغلاق الصحف

يذكر أنه ابتداء من عام 1989 أتاح التعديل الدستوري إدخال مادة تنص على أن "حرية التعبير والرأي ونشر الأفكار مضمونة، إذا لم يتم المساس بالمبادئ الإسلامية ومصالح البلاد"، وقد ادى ذلك إلى اغلاق عدد كبير من المجلات الثقافية والاجتماعية والسياسية، ومجلات الكاريكاتير السياسي الساخرة.

حتى عام 2000 أمر المحافظون بمنع أكثر من 80 صحيفة ومجلة، لكن بعض العاملين في هذه الصحف تمكنوا من مزاولة نشاطهم الصحفي في صحف اخرى. وفي بداية فترة رئاسة الرئيس الاسبق محمد خاتمي لم يتجرأ المحافظون على منع أي صحيفة من دون أمر قضائي. لكن في الأعوام اللاحقة أصبح المحافظون أكثر عدوانية وباتوا في وضع يمكنهم من منع الصحف غير المرغوب فيها حتى قبل صدورها. وتجاه ذلك لم يرغب أو يتمكن رئيس الدولة الإصلاحي خاتمي من فعل أي شيء يذكر.

لكن من جهة ثانية، تحاول السلطات الايرانية الدفاع عما تقوم به بحق الصحافة، وفي هذا السياق، اعتبر رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ان صدور المجلات والصحف في عهد الثورة الإسلامية مرتفع عما كان عليه سابقا. وزعم انه تحديداً منذ عام 1979، "هناك 600 صحيفة كانت تصدر في إيران، وهذا يساوي ضعفي الرقم الذي كان يصدر قبل الثورة، وكثير منها متخصصة وبعضها عامة. ومنها ما يتخصص بطرح آراء المفكرين، وهناك صحف تصدر بلغات أجنبية وقبل الثورة كنا نطبع بين ألفين وثلاثة آلاف عنوان كتاب في السنة. والآن نطبع بين 8 و10 آلاف عنوان و60 مليون نسخة. ولجهة الدقة صدرت في عهد الثورة الإسلامية 420 مطبوعة بينما كان عددها في عهد الشاه 150 مطبوعة."

لكن المعروف انه مع تولي أحمدي نجاد لرئاسة "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" ساءت أحوال الصحافة في إيران بشكل واضح، فينما كانت وزارة الثقافة لا تزال تدعم الصحافة خلال رئاسة خاتمي، تغيرت هذه الوزارة خلال حكم أحمدي نجاد لتتحول إلى جهاز لمراقبة الصحافة النقدية. وفي السياق نفسه تم منع مجلة "بازتاب" الإلكترونية المقربة من المحافظين. وأيضا منع صحيفة كارغوزاران المقربة من تيار رفسنجاني، بسبب نشرها بياناً لإحدى الروابط الطلابية، اتهمت فيه حركة "حماس" الفلسطينية باستخدام المدنيين في قطاع غزة كدروع بشرية.

وازدادت أوضاع الصحافة في إيران تدهورا خلال وبعد الأحداث التي شهدتها إيران بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو من العام 2009، من خلال اعتقال عدد من الصحفيين وإغلاق بعض الصحف الإصلاحية، إضافة إلى هجرة العديد من الصحفيين. وفي الوقت نفسه تعمقت أزمة سميت أزمة الهوية الصحفية وأزمة أخرى في المهنية، بمعنى أن الوسط الصحفي الإيراني لم يستقر حتى الآن على تعريف واضح لمهنة الصحافة، وهوية واضحة للأداء الصحفي.

وتم إرجاع الأزمة المهنية، وأزمة الهوية إلى محاولة الجيل الجديد من الصحفيين استغلال العمل الصحفي من أجل غايات سياسية محددة.

صحفيون شبان

وبرر بعض خبراء الاعلام لجوء بعض الصحفيين الشباب إلى خارج إيران بوقوعهم بين نارين، فهم لا يستطيعون من جهة تحمل الضغوط المالية والضغوط السياسية لمؤسساتهم الصحفية، ومن جهة أخرى لا يمكنهم نسيان أجواء الانفتاح التي عاشوها لمدة قصيرة أيام الرئيس السابق محمد خاتمي. وبذلك، فإن مثل هؤلاء الصحفيين اتجهوا نحو أي باب يفتح أمامهم، إحساساً منهم بأنهم ينتقلون إلى الصحافة المهنية.

ورغم القيود نشأ بعد بدء ثورة الإصلاح وعي ذاتي جديد بين الصحفيين المستقلين عن الحكومة الإيرانية. وبات من الصعب اليوم السيطرة على جيل جديد من الصحفيين في إيران، ومن أسباب ذلك استخدام هؤلاء للإنترنت بشكل أكبر، بعد أن باتت الصحف الورقية في إيران في قبضة المحافظين.

لكن السلطات شددت الرقابة على الانترنت من خلال قائمة طويلة من المخالفات التي تعرض مرتكبيها للعقوبات. إذ تحظر القائمة التي وضعتها هيئة خبراء المواقع التي تحتوي على مواد مخالفة للقيم الاجتماعية أو مخالفة للقيم الدينية أو تنطوي على تهديد للأمن والسلام الاجتماعي، أو تلك المعادية لمسؤولين حكوميين أو هيئات حكومية أو التي تسمح بارتكاب مخالفة عبر التحايل على الحظر واختراق حجب المواقع. ويمنع النشر على الانترنت للمواضيع المنافية للقيم الدينية، أو التي "تتعرض للإسلام والأديان المعترف بها، والأنبياء والأولياء"، أو التي تنطوي على "دعاية للفرق المعادية للإسلام"، أو "تنال من الإمام الخميني وكذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي".

وفي وقت يطالب اتحاد الصحفيين المسلمين السلطات القضائية بتعاط أفضل مع الصحفيين من خلال وضع آليات جديدة لتقليل الخسائر المادية التي تواجه الصحافة والصحفيين، فإنه يعتقد بضرورة عدم وجود صحفي معتقل بسبب عمله الصحفي أو على خلفية التعبير عن الرأي.

واعتبر الاتحاد أن إغلاق الصحافة في إيران لا يتم أيضاً بسبب كتابة مقال أو تعبير عن الرأي، وإنما لأسباب أمنية تتعلق بالتحريض أو الاتصال بجهات أجنبية محظورة، وأن بعض الصحفيين أو الصحافة عموماً فقدوا مهمتهم الحرفية وعملوا كأحزاب سياسية، وهذا ما أوقع هذه الصحافة في محاذير قانونية لا يرتضيها الجميع.

5/1/2014