استمرار الخلاف داخل الإدارة الأمريكية حول إيران
واشنطن - من "أورينت برس"
لا تزال تداعيات الاتفاق المؤقت الذي وقعته مجموعة (5+1) مع إيران في جنيف تتفاعل في الأوساط الأمريكية، وسط استمرار الخلاف داخل الكونغرس الامريكي ومجلس الشيوخ حول فرض عقوبات جديدة على إيران من عدمها.
من الملفت أن قرار مراقبة برنامج إيران النووي، الذي طالما كان مسألة تعني الحزبين الأمريكيين، (الجمهوري) و(الديمقراطي)، معاً، اتخذ منحى بشعاً خلال الشهرين الماضيين ليصل إلى ذروته خلال الأيام القليلة الماضية. يقصد بهذا المنحى حملة البيت الأبيض الشرسة والمتواصلة لمنع الكونغرس من السعي إلى فرض عقوبات جديدة ضد "جمهورية إيران الإسلامية".
باختصار، تعتقد إدارة أوباما أن الكونغرس، بتمريره عقوبات جديدة ضد إيران، سيقوض الاتفاق الذي وقع في جنيف، ولتفادي هذه المشكلة، عمد البيت الأبيض بعدائية إلى وصف كل من يدعم العقوبات الجديدة ضد إيران أو يعارض أيضاً اتفاق جنيف بأنه شخص غير نزيه يهوى الحرب.
"أورينت
برس" أعدت التقرير التالي:
يسعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما وفريقه السياسي إلى الحفاظ على ما يعتبرونه الإنجاز الأهم لإدارتهم والمتمثل بتوقيع الصفقة مع إيران لوقف نحو 30 عاماً من العداء بين البلدين، ووضع حد لطموحات إيران النووية التي لطالما شكلت هاجساً للغرب والدول المجاورة لها.
لا
للخطوات العسكرية
لحماية ما حققه، يحاول الرئيس أوباما إظهار كل معارض للاتفاق مع إيران بمظهر الخائن للوطن، أو الراغب في استمرار الحرب. بدأت هذه الحملة من قبل أوباما وفريقه في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من العام المنصرم، حين اتهم المسؤول الإعلامي في البيت الأبيض (جاي كارني) الكونغرس بـ"السير نحو الحرب" لأنه يدرس فرض عقوبات جديدة. وكرر هذا الهجوم في اليوم التالي. بعيد ذلك، أعلن الرئيس أوباما بتحفظ أكبر: "إذا كنا جادين حقاً في محاولتنا حل هذه المسألة دبلوماسياً، فعلينا إذاً أن نقر بأن الخيارات العسكرية بشعة دوماً".
استمرت جهود الإدارة خلال عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، وارتفعت وتيرتها خلال هذا الشهر رداً على مشروع قانون جديدة في مجلس الشيوخ، فأعلنت أخيراً مسؤولة في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، (برناديت ميهان): "إذا كان أعضاء الكونغرس يريدون أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات عسكرية، يجب أن يصارحوا الشعب الأمريكي ويعلنوا ذلك، وإلا لا يبدو واضحاً لم يدعم أي عضو من الكونغرس مشروع القانون هذا".
عندما يدلى بمثل هذا التصريح، فقد يظن المرء أن (ميهان) تشير إلى مشروع قانون بسيط تروج له مجموعة صغيرة من أعضاء الكونغرس، لكنها كانت تتكلم عن "قانون إيران خالية من السلاح النووي" في مجلس الشيوخ الذي وضعه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور روبرت منديز وهو سيناتور "ديمقراطي" من ولاية نيوجرسي، والسيناتور مارك كيرك وهو سيناتور "جمهوري" من ولاية إيلينوي، والذي يحظى بدعم أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين. ولا شك أن تأكيد ميهان أن أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يريدون الحرب سراً وأنهم لا "يصارحون الشعب الأمريكي" غير منطقي البتة لأسباب عدة.
أداة
سياسية
تعتبر العقوبات الاقتصادية أداة سياسية غير عنيفة تعتمد لتفادي الحرب، فقد وصف الرئيس باراك أوباما نفسه في خطاب قبوله جائزة نوبل العقوبات الاقتصادية بأنها "بديل للعنف" يجب أن يكون "قوياً كفاية كي يبدل السلوك"، لذلك لا تبدو فكرة أن درس فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية مع استثناءات إنسانية، يمكن الرجوع عنها في اي وقت، تتمتع بمرونة كبيرة، ويمكن تأخير تطبيقها بما يتلاءم مع اتفاق جنيف، سيؤدي حتماً إلى الحرب منطقية البتة. لا بل يمكن القول أنها قد تكون بديلاً عن الحرب، وأنها قد تردع إيران وتجبرها على الالتزام بما وقعت عليه في جنيف بدلاً من محاولة التراجع أو المناورة لكسب الوقت.
كذلك، يجب عدم تناسي أن الكونغرس قبل بضعة أشهر رفض رفضاً قاطعاً مسألة نشر أصول عسكرية ضد حليف إيران الرئيس، سوريا، رغم جهود إدارة أوباما الحثيثة لإقناعه بالعكس. وما من دليل بكل بساطة على أن أعضاء الكونغرس تواقون للحرب. بل أنهم فعلياً غير راغبين بالدخول في حرب إلا أنهم يبحثون عن بدائل مقنعة.
برأي المراقبين، إذا كان اعتقاد البيت الأبيض أن العقوبات تلغي اتفاق جنيف أو تقود إلى الحرب صحيحاً، فهو بالتأكيد يكشف الكثير عن طريقة تفكير الإيرانيين، لا مجلس الشيوخ الأميركي. لا شك أن آراء البيت الأبيض المتضاربة الخاطئة بشأن الحرب والاتفاق الحالي تعكس إخفاقاً مقلقاً في محاسبة الإيرانيين على أعمالهم، فتقدم الحرب كنتيجة منفصلة عن السبب وكتهديد لمنع الخصوم والمشككين من القبول بصفقة وفق الشروط الإيرانية مثل عدم التوقف عن التخصيب. لكن هذا الطرح مغلوط، فإذا نشبت الحرب، فستتحمل طهران مسؤولية أكبر، مقارنة بالولايات المتحدة.
بالعودة إلى الجذور، فمن المعروف أن هذه المشكلة برمتها ترتبط بنشاط إيران النووي غير المشروع، والخطر، والمخادع، فإيران هي مَن تحدت علانية قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة طوال سنوات، وتعود كل هذه المشاكل إلى عناد إيران وتجاهلها القانون الدولي، فضلاً عن سجلها الحافل بدعم الإرهاب لذلك من غير المنطق إلقاء مسؤولية التصعيد المحتمل في هذه الأزمة على كاهل مجلس الشيوخ الأمريكي أو الكونغرس لأنهما يرغبان في فرض عقوبات على إيران، أو على الأقل عدم رفع المزيد من العقوبات عن كاهلها حتى لا تشعر أنها باتت أقوى بكثير من قبل.
عرقلة
الاتفاق
أعلن الرئيس أوباما أيضاً في خطابه أمام لجنة جائزة نوبل ما يلي: "من الضروري محاسبة الأنظمة التي تنتهك القوانين الدولية. يجب أن تحملها العقوبات كلفة حقيقية، ويترتب علينا جميعنا أن نصر على منع أمم مثل إيران وكوريا الشمالية من التلاعب بالنظام، فلا يستطيع مَن يدعون أنهم يحترمون القانون الدولي أن يغضوا النظر عندما تنتهك تلك القوانين، ولا يمكن من يهتمون بأمنهم الخاص أن يتجاهلوا خطر نشوب سباق تسلح في الشرق الأوسط وشرق آسيا". في هذه الحالة، انتهك عدد كبير من قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة وبنود معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد يكون سباق التسلح وشيكاً في "الشرق الأوسط"، كذلك تراهن إيران اليوم على أن العالم "استسلم أخيراً لإرادة الأمة الإيرانية" ويقر بشكل دائم "بحقها في تخصيب اليورانيوم". كذلك وصفت إيران الاتفاق كفرصة لا تنطوي على المخاطر، معلنة: "بما أن هذه اللعبة تجري في ملعبنا، فلا مجال للخسارة... من الممكن التخلص من هذه العلاقات المترابطة ذات يوم". وبالفعل بدأت إيران تحصد أولى إيجابيات الاتفاق من خلال السماح لها باستخدام بعضاً من أموالها المجمدة وهو أمر سيفك ضائقتها الاقتصادية بلا شك وسيحسن الكثير من قطاعاتها المتهالكة.
وصف
دقيق
تكمن المفارقة في أن الولايات المتحدة تقدم رواية مختلفة، فلا تهدد إدارة أوباما بحد ذاتها بعرقلة الاتفاق مع إيران، في حال شهدت بعض التأجيلات، أو تراجعات عن الالتزامات، أو مواصلة الإصرار على حق إيران بالتخصيب. على العكس، تعامل الإدارة الأمريكية النظام الإيراني كما لو أنه عميل مدلل يجب عليها مداراته كي لا تسيء إليه. وهذا برأي الكونغرس أمر مرفوض. إذ يعتبر أعضاء في الكونغرس "يجب ألا نسمح لهذه الأزمة بأن توصف بغير وصفها الدقيق، وعلينا بالتأكيد أن نقول (كفى!)، عندما نرى الاعتداءات السياسية الرخيصة على أعضاء من الكونغرس وآخرين بذلوا قصارى جهدهم لتطبيق توجيهات الرئيس بشأن المساءلة، والاحترام، والأمن".
5/2/2014