تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية بين شد وجذب

واشنطن - من "أورينت برس"

تظل إيران أسيرة سياسات لا يمكن تقبلها من قبل الكونجرس الأمريكي، وحتى لو كانت إيران جادة في الموضوع النووي فإن سلوكها في العديد من القضايا يعارض مصالح الولايات المتحدة، الأمر الذي سيضع تعاونها مع المجتمع الدولي موضع التشكك حتى لو قررت الالتزام ببنود الصفقة التي وقعتها أخيراً.

وبغض النظر عن النواقص، فإن المفاوضين والمسؤولين الأمريكيين يتمسكون جداً بالمفاوضات والاتفاقات لأن ادارة الرئيس باراك أوباما ترفض مبدا الحرب مع ايران بسبب الاكلاف المرتفعة المتوخاة لاي حرب قادمة. وأما هؤلاء الذين عملوا على التوصل إلى الاتفاق المرحلي فسيتم الاستثمار بشدة في عملهم والتحرك نحو حمايته.

وبالنظر إلى أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ألمانيا باركت الاتفاق، فإن ذلك سيمنحه الشرعية والسلطة. لكن بما أن الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل اليه ينطوي على الكثير من المشكلات فهذا سيقود إلى أكثر التحديات جدية، لأنه لا يضع حدا لبعض المشكلات المثيرة في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وخصوصاً وضع حد لعدد أجهزة الطرد المركزي، إضافة إلى البحث عن ضمانات قوية بأن إيران لا تستطيع تحويل مخزونها من اليورانيوم المنضب إلى مواد عسكرية قابلة للاستعمال.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

تحاول الولايات المتحدة الترويج إلى أهمية الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع إيران. لكن ما يعتبر صفقة أكبر وما تغاضت عنه التغطية الإعلامية لكل هذا الأخذ والرد بشأن الاتفاق المؤقت يبقى الزخم الكبير الذي شهدته العلاقات الأمريكية الإيرانية في الأشهر الأخيرة. فعقب تسلم الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني زمام السلطة خلال فصل الصيف، خاضت هاتان الدولتان محادثات على أعلى مستوى لها منذ الثورة الإيرانية عام 1979، أولاً مع اجتماع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومن ثم مع الاتصال الهاتفي بين روحاني والرئيس الأمريكي باراك أوباما. وصولاً إلى توقيع الاتفاق ورؤية وزير الخارجية الأمريكي جان كيري في جنيف يحتفل بتحقيقه إنجازاً دبلوماسياً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أمراً طبيعياً بعد أن كان من المستبعد أن يتصافحا في السابق.

لكن هذه الدبلوماسية المحمومة خلال فصل الخريف بدت استثنائية بكل معنى الكلمة. فبعد انهيار المحادثات النووية في مطلع هذا الشهر، أمضى وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الإيراني معاً خلال يوم واحد وقتاً أطول مما قضاه أي وزير خارجية للبلدين سوياً طوال السنوات الأربع والثلاثين الماضية. فلا حاجة إلى الإشارة إلى إخفاق الولايات المتحدة المتكرر خلال العقود الثلاثة الماضية في التواصل مع إيران، فضلاً عن المخاطر الكبيرة التي ولدها هذا الوضع بسبب احتمال نشوب حرب نتيجة أي سوء تفاهم، فقد كان شبح الضربة العسكرية يلوح في الأفق كلما شددت الولايات المتحدة من العقوبات المفروضة على إيران وكلما ردت إيران بخطاب تصعيدي.

اتصالات هاتفية

مع غياب الروابط الدبلوماسية وفي ظل الاجتماعات القليلة في الفنادق المظلمة والاعتماد على وسطاء، لم يكن أي من الطرفين يملك فكرة دقيقة عن الآخر. لم تتواصل إيران والولايات المتحدة بشكل جدي من قبل. بعبارات أخرى، كانتا تخوضان حرباً باردة ثانية. وقبل أن يتصل أوباما بروحاني كانت كل خطوط الاتصالات المباشرة مقطوعة، حتى عندما اتصل جورج بوش الأب في التسعينيات بالرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني بغية إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في لبنان لمدة نصف ساعة عبر الهاتف، تبين له لاحقاً أن من تكلم معه ليس رفسنجاني بل مسؤول إيراني متشدد يرفض الانفتاح وأراد إحراج رفسنجاني ليس أكثر. وبالتالي فإن رئيس الولايات المتحدة وقع ضحية خدعة وهو ما صعد الخلافات بين البلدين ودفع بالرؤساء اللاحقين إلى عدم محاولة الاتصال بالرئيس الإيراني باستثناء أوباما الذي قرر العكس.

لقاءات سابقة

صحيح أن الاتصالات بين البلدين كانت مقطوعة، إلا أن بعض اللقاءات الديبلوماسية المتدنية المستوى انعقدت ولم يكتب لها النجاح، كانت هناك قنوات تواصل معقدة، ووساطات مزدوجة وسرية لم تنجح هي الأخرى. على سبيل المثال، بعث الرئيس الأمريكي رونالد ريغان خلال ولايته الأولى بثلاث رسائل كتبها على أوراق خاصة بالبيت الأبيض إلى الحكومة الإيرانية عبر وزراء خارجية دول أخرى في محاولة لتحسين العلاقات الثنائية. لكنه لم يتلق أي رد إذ لم يكن الإيرانيون واثقين من أن الرسائل حقيقية. وبعد أن أخفق المسؤولون الأمريكيون الذين انتقلوا سراً إلى طهران على متن طائرة إسرائيلية قادها رجال من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عقد صفقة "الأسلحة مقابل الرهائن" عام 1986، شكل ذلك خيبة أمل كبيرة للأمريكيين.

كذلك، في عام 1999، استاء الرئيس بيل كلينتون من محاولات انفتاح إدارته الفاشلة على الرئيس محمد خاتمي، حتى إنه راح يتجول في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد خطاب خاتمي على أمل لقاء هذا القائد الإيراني المصلح. لكن خاتمي سلك مخرجاً جانبياً حتى يتجنب لقاءه.

المحادثات الأولى

بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر من عام 2001، عقد المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون محادثاتهم الأولى وجهاً لوجه منذ عام 1986، مجتمعين في جنيف وباريس لمناقشة تعاونهم في الشأن الأفغاني. لكن إدراج الرئيس جورج بوش الابن إيران ضمن دول "محور الشر" عام 2002 عرقل هذه المساعي. وفي شهر أيار/مايو عام 2003، بعد أشهر قليلة من اجتياح الولايات المتحدة العراق ودق ناقوس الخطر في طهران التي اعتقدت أن إيران التالية، بعث وزير الخارجية السويسري إلى وزارة الخارجية الأمريكية فاكساً كتبه عدد من كبار القادة الإيرانيين بمن فيهم القائد الأعلى "آية الله" علي خامنئي ووزير الخارجية الحالي ظريف، وحددوا فيهما، الأطر العامة "للمضي قدماً في معالجة كل مسألة خلاف بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة".

لكن إدارة بوش رفضت في النهاية خارطة الطريق، مع أن أحد المسؤولين الأمريكيين قال أنه كان سيأخذ هذه المذكرة على محمل الجد لو أنه علم آنذاك أن ظريف المعتدل كان له يد في وضعها.

إلا أن الوضع تغير، فقد تعهد الرئيس الحالي باراك أوباما عند تسلمه سدة الرئاسة عام 2009 بلقاء القادة الإيرانيين مباشرة من دون شروط مسبقة، حتى إنه بعث برسالتين إلى القائد الأعلى. ولكن انتهى به المطاف إلى الاعتماد بشدة على العقوبات الخانقة والتهديد باللجوء إلى القوة عندما لاحظ أن نهجه الدبلوماسي اللين بدأ يفشل. ولم تثمر جهود الإدارة الدبلوماسية المتقطعة إلا أخيراً. فقد ساءت الأحوال بين البلدين حين رفض الإيرانيون عام 2011 إنشاء خط ساخن عسكري اقترحه المسؤولون الأمريكيون بغية تفادي أي صراع غير متعمد بين البلدين.

اتفاق مؤقت

ولا شك في أن هذه الخلفية تجعل حماسة النشاط الدبلوماسي خلال الأشهر الأخيرة لافتة للنظر، إذ افادت تقارير أخيرا بأن إيران والولايات المتحدة خاضتا محادثات مباشرة سرية طوال سنة قبل التوصل إلى اتفاق جنيف.

إذن، في عام 2003، رسم محمد جواد ظريف الخطوط العريضة لخطة تقارب مع الولايات المتحدة بمساهمته في إعداد وثيقة سلمت إلى السفير السويسري في طهران، الذي سلمها بدوره إلى وزير الخارجية السويسري. فأرسلها هذا الأخير بالفاكس إلى وزارة الخارجية الأمريكية. ثم تناقلها مسؤولو إدارة بوش لتوضع بعد ذلك في أدراج المكاتب من دون أن تنشر أو يتم النظر فيها بدقة. لكن اليوم عادت المفاوضات من جديد وشاء القدر أن يكون لظريف نفسه اليد في إنجاحها وإن عبر اتفاق مؤقت.

7/1/2014