تركيا وإيران علاقة تنافس رغم المصالح المشتركة

اسطنبول - من "أورينت برس"

الاتفاق النووي المؤقت الذي تم إبرامه بين إيران والقوى الست الكبرى لمنع حصول إيران على سلاح نووي يمثل انتصاراً كبيراً للديبلوماسية الدولية ووعوداً كثيرة بفوائد كبيرة لإيران وللدول المجاورة لها، وخاصة تركيا. ورغم أنه لدى تركيا الكثير لتكسبه اقتصادياً وسياسياً من خلال الاتفاق الذي قلص طموحات إيران النووية، إلا أن هذا الاتفاق قد يمثل تحدياً آخر لسعي تركيا للاستحواذ على النفوذ الإقليمي والقيادة والأولوية.

تركيا هي واحدة من المستفيدين الرئيسيين من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم في جنيف في 24 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2013. وإذ تلتزم أنقرة بشدة بفكرة جعل "الشرق الأوسط" منطقة خالية من الأسلحة النووية لكنها بشكل أو بآخر لم تكن تعادي إيران أو تخشى قوتها، وقد تجلى ذلك من خلال تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو والشكوك العميقة للمزاعم الغربية بشأن سعي إيران لامتلاك اسلحة نووية. مع ذلك كانت ادانتهما واضحة لأي محاولات لإدخال أسلحة نووية جديدة إلى المنطقة، كما أنهما نددا بترسانة اسرائيل النووية.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

لا شك إن امتلاك إيران للأسلحة النووية لديه القدرة على زعزعة استقرار المنطقة وعلى دفع سباق التسلح بما قد يحفز مصر أو تركيا أو بعض دول المنطقة على تطوير ترسانة نووية خاصة بها لردع أي عدوان إيراني قد يفكر البعض بإيران به واستعادة بعض التوازن في القوة الإقليمية.

الاتفاق النووي الأخير وإن كان مؤقتاً إلا أنه سعى إلى تطويق إيران وهو بالتالي يخفف كثيراً من التهديد الذي تمثله، على الأقل من الناحية النظرية.

موقف تركيا

أعربت تركيا عن سرورها بالاتفاق النووي، إذ أن أي غارة أمريكية – "إسرائيلية" مشتركة على إيران لتدمير مواقعها النووية كان من شأنها أن تضع تركيا في موقف لا تحسد عليه ديبلوماسياً، وكانت ستتسبب في مشاكل كبيرة للحكومة التركية مع مواطنيها، وخاصة إذا انطلقت الطائرات المستخدمة من قواعد "الناتو" الموجودة في تركيا أو اتخذت من الأجواء التركية منصة للهجوم.

لا تحظى "إسرائيل" والولايات المتحدة بشعبية كبيرة بين الجماهير التركية. وقد عارضت تركيا حرب العراق، وقبلها العقوبات التي فرضت على العراق في عهد صدام حسين، ولا شك أنها لا ترغب في أن ترى ذلك يتكرر في حالة إيران. لا سيما وأن إيران هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا وأيضاً مصدراً هاماً من مصادر الطاقة لديها. وغني عن القول أن العديد من الشركات التركية قد تضررت بشدة من العقوبات الصارمة المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالشركات التركية لا سيما شركات البناء، والمؤسسات المالية، وشركات التصنيع لديها روابط قوية مع إيران.

علاوة على ذلك، منذ فترة طويلة تعارض تركيا عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تتجاوز تلك التي أذنت بها الأمم المتحدة، إذ اعتبرت أنها تعاقب بشكل غير متناسب المواطنين العاديين وتفرض أعباء غير عادلة على الدول المجاورة لإيران.

اخبار جيدة

جاء تخفيف العقوبات كخبر سار للغاية بالنسبة لتركيا ربما بقدر إيران. فقد نمت التجارة الثنائية السنوية التركية - الإيرانية إلى ما يقرب من عشرين ضعفاً على مدى العقد الماضي، من نحو 1,2 مليار دولار في عام 2002 إلى ما يقرب من 22 مليار دولار في عام 2012، على الرغم من لدغة العقوبات الدولية. ومن المرجح أن ترتفع النسبة صاروخياً بعد تخفيف عدد من العقوبات، وقد يفتح هذا الأمر الطريق أمام الصادرات من السلع والخدمات التركية إلى إيران التي بلغت قيمتها أكثر من 90 مليار دولار في المدى المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، فإن القدرة على استيراد احتياجاتها من الطاقة من إيران سترتفع مما يحد من الاعتماد التركي في الوقت الحالي على روسيا، وخاصة في قطاع الغاز.

ولكن في حين اعتبرت القيادة التركية بسرعة أن اتفاق جنيف انتصار للديبلوماسية والاستقرار في المنطقة، فإن الآثار المترتبة على المدى الطويل لأي اتفاق دولي بشأن برنامج إيران النووي قد لا يبشر بالخير بالنسبة تركيا. فبينما تركيا وإيران جارتان وشريكتان تجاريتان، هما أيضاً متنافسان استراتيجيان، لأكثر من خمسمائة سنة منذ أيام العثمانيين والصفويين. اليوم تسعى كل من إيران وتركيا إلى فرض نفوذهما في كل من لبنان والعراق وسوريا وعدد من دول المنطقة، وهما يدعمان الأحزاب المتنافسة.

تنافس تركي- إيراني

تعتبر إيران متقاربة جداً إلى تركيا من حيث عدد السكان، الناتج المحلي الإجمالي، والقوة العسكرية. من دون عبء العقوبات، وكونها لم تعد دولة منبوذة عالمياً، يمكن لإيران بسهولة أن تطغى على تركيا، وربما تتغلب عليها كقوة رائدة في الشرق الأوسط.

الاحتمال الأصعب بالنسبة لتركيا هو التقارب الواسع بين إيران والغرب، وخاصة الولايات المتحدة. فحل النزاع النووي يمكن أن يمهد الطريق لذوبان الجليد في العلاقات العامة. وهناك بالتأكيد مصلحة قوية بالنسبة لقطاع الطاقة الإيراني، لا سيما في أوروبا. كما أن العديد من الدول الأوروبية، وألمانيا على وجه الخصوص، هي حريصة على تعزيز صادراتها إلى إيران. تاريخياً، وقبيل "الثورة الاسلامية"، تمتعت الولايات المتحدة وإيران بعلاقة استراتيجية وثيقة للغاية، وكانت بمثابة ركيزة ”للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط". ربما من المبكر الحديث عن أي توقعات بالعودة إلى علاقة إيران مع الغرب في السبعينيات، لكن الاتفاق الأخير قد يمهد الطريق لذلك.

مشاكسة انقرة

فيما تحسن إيران علاقتها بالغرب، يتزايد سلوك تركيا المشاكس مع حلفائها، بما في ذلك داخل الاتحاد الأوروبي، وهي بدأت تغازل منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الجمركي الأوراسي، وربما تعقد صفقة محتملة لشراء صواريخ من الصين. كما أن الاضطرابات الداخلية التي أثارها الفساد في الحكومة قد يضرب صورة تركيا إلى حد كبير في الخارج.

الاتفاق النووي الإيراني المؤقت الذي وقع في جنيف قد يثبت في النهاية أنه نعمة كبيرة لتركيا، لكنه في مجال آخر قد يكون مؤشراً على صعود إيران كمنافس رئيسي في المنطقة وهو ما تخشاه أنقرة إلى حد كبير كونها تمر في وقت عصيب اليوم لناحية تردي علاقاتها مع الغرب بسبب تراجع مكانة ونفوذ "حزب العدالة والتنمية". فمن الواضح أن فرص تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد تراجعت إلى حد كبير وبات حلماً بعيد المنال، كما أن علاقاتها مع الأمريكيين ليست كما كانت عليه قبل أشهر خلت، في حين أن علاقتها مع سوريا انقطعت تماماً بسبب موقف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان من النظام السوري. يبقى لتركيا علاقاتها القوية مع الجارة الإيرانية التي تريد الوقوف على قدميها من جديد، وهي وإن كانت تخشاها إلا أنها لن توفر فرصة للدخول لقوة إلى السوق الإيراني والاستفادة من رفع العقوبات الغربية على "الجمهورية الإسلامية" إلى أكبر حد ممكن.

لا شك أن إيران بعد الاتفاق النووي ستتحرر من القيود التي فرضت على سياساتها الخارجية بسبب العقوبات، وستجد أمامها متسعاً من الوقت للتحرر من تلك القيود، ومن قلقها حول وضعها الإقليمي، وستبحث عن طرق أخرى لتأكيد مصالحها. ورغم أن إيران تعاني من كم هائل من المشاكل الاقتصادية، لكن لديها الإمكانيات الكبيرة لتطوير الاقتصاد فهي تحتوي على 10 في المائة من احتياط البترول العالمي، و15 في المائة من احتياطي الغاز الطبيعي قبل أي شيء آخر وبالتالي أمامها الكثير من الفرص لتحسين اقتصادها والتفوق إقليمياً.

7/2/2014