(أمّ الصبي)
تنازُل أو حسم؟
باسكال بطرس
يؤكّد الرئيس سعد الحريري مرةً تلو الأخرى أنه يُبَدّي المصلحة الوطنية على المصلحة الشعبوية، وغالباً ما يتّخذ قرارات ومواقف تتعارض في شكل واسع مع توجّهات بيئته، وكان آخرها دعوته إلى الزواج المدني وتأليف حكومة مع "حزب الله".
إن دَلّت ممارسة رئيس تيار "المستقبل" السياسية، منذ العام 2005 إلى اليوم، على شيء، فعلى أنه لم يتخلَّ يوماً عن خطّ الاعتدال، وقد بقيَت ردود فعله ضمن الأطر السلمية. فعلى رغم كلّ ما تعرّض له تيّاره والفريق السياسي الأكبر الذي ينتمي إليه، من اغتيالات وحروب تجاوزت السياسية إلى العسكرية في 7 أيار 2008، فضلاً عن إسقاط حكومته بالقوة وإسقاط كل الاتفاقات المُبرمة من هيئة الحوار إلى الدوحة، ظلّ الحريري متمسّكاً بخيار المواجهة السلمي، الذي أثبت مع الوقت مدى فعاليته، بدليل أنّ فريق "14 آذار" حافظ على نهجه وخطّه وثوابته على رغم استمرار الاغتيالات.
وفي هذا السياق، برزت وجهتا نظر في مقاربة المواجهة مع "حزب الله":
- الأولى تؤكد أن تيار "المستقبل" وقوى "14 آذار" لا يجب أن يتخلّيا عن دور "أمّ الصبي" في البلد، لأنّ أيّ تخلٍّ من هذا النوع سيؤدي إلى خراب لبنان ويعيد عقارب الساعة إلى زمن الحرب الأهلية. ما يتطلّب من "14 آذار"، وعلى رغم كلّ ما يمكن أن تتعرّض له، التمَسّك بمواجهتها السلمية عبر الأطر الدستورية في انتظار الحلول الخارجية، خصوصاً أنّ التجربة التاريخية أثبتت استحالة أن يحسم فريق لبناني على حساب الآخر إلا بميزان قوى خارجيّ يُرجّح كفّة هذا الطرف على حساب ذاك. لا بل من الخطأ والخطيئة توريط لبنان واللبنانيين في حروب عبثية لا فائدة منها، طالما أن لا غَلبة داخلية إلا على أساس غلبة خارجية، إذا بقي الطرف الآخر متمسّكاً بمشروع الغلبة، من خلال تحالفاته الإقليمية التي تريد إبقاء لبنان ساحة مُستباحة. وبالتالي، لا يشكّل انتصار مشروع "14 آذار" انتصاراً لهذا الفريق وخسارة لـ"8 آذار"، لأنّ مشروعها هو مشروع الدولة التي تشكّل وحدها الضامن لجميع اللبنانيين.
وقد أظهرت مواقف الحريري أنه يغلّب منطق التسويات وشراء الوقت، لأنه يفضّل ألف مرة خسارة موقع من هنا ومنصب من هناك، على تحمّل مسؤولية إدخال البلاد في دوّامة عنف نعرف كيف تبدأ ولكن لا أحد يدرك كيف تنتهي.
أمّا وجهة النظر الثانية، فترى أنّ التنازلات المتواصلة التي تُقْدِم عليها "14 آذار" تغلّب خط التطرّف على خط الاعتدال، وخطورتها أنها تفقد جمهور "ثورة الأرز" ثقته بقياداته التي تتنازل عند كل محطة عن العناوين التي كانت ترفعها. وإذا كان صحيحاً أنّ "14 آذار" ليست في وارد الدخول والانجرار إلى أي مواجهة عسكرية وترفض مبدأ العنف، إلا أن تنازلاتها المستمرة ستؤدي بالنتيجة: إمّا إلى حكم "حزب الله" البلد وإمّا إلى فقدان "14 آذار" سلطة القيادة التي ستؤول حكماً إلى القوى المتطرّفة في كل الطوائف، ما يُدخل البلاد عندذاك في حروب كانت "14 آذار" وما زالت تتجنّبها. وتلافياً للوصول إلى هذه اللحظة، يتوجّب على هذه القوى ممارسة دورها السياسي برفض التنازل والحفاظ على ثوابتها وسقفها السياسي بغية مواصلة المواجهة مع الحزب و"8 آذار" من جهة، والإمساك بشارعها من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق، فإنّ أي تغطية لقتال "حزب الله" في سوريا، من خلال المشاركة في الحكومة، قد تعمّم الإرهاب وتستهدف لبنان كله، فيما كان الأوْلى به أن يضغط على الحزب من باب رفض إعطائه أي مظلّة داخلية لدفعه الى الخروج من سوريا، لأنّ أي مساكنة معه في الداخل تشجّعه، من دون شك، على مواصلة قتاله السوري، الأمر الذي يُبقي لبنان تحت مرمى الأهداف التكفيرية، خصوصاً بعد توحيد الساحتين اللبنانية والسورية.
إذاً، يكمن الخلاف الأساس بين وجهتي النظر المفصّلة أعلاه، في أن نتيجة التنازل والتسويات هي عكس الأهداف المرجوّة. في حين يخدم التشدّد والحسم والحزم قضية "14 آذار" بشكل أكبر، وهي أن تكون "أمّ الصبي"، لأنّ خسارتها شارعها ستقود حتماً إلى انفلات الأوضاع ودخول لبنان الفوضى.
"الجمهورية" البيروتية الجمعة 7 شباط 2014