تجويع مخيم اليرموك فضيحة تاريخية

رأي القدس

فهذا أول مخيم فلسطيني يقوم على حصاره وتجويعه أشخاص وفصائل محسوبة على الفلسطينيين أنفسهم، ونعني، بشكل رئيسي، تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة.

بدأت مأساة مخيم اليرموك يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 2012 حين دخلت كتائب معارضة للنظام السوري إلى المخيم وطردت ما يسمى "اللجان الشعبية" وعناصر "القيادة العامة" التي استنجدت بجيش النظام "المقاوم" فقام بقصف المخيم بالطيران وسقط أكثر من مئتين من أهاليه قتلى.

هذا الهجوم العنيف اضافة إلى شائعات بثتها وسائل إعلام النظام عن اتجاه الجيش النظامي للدخول إلى المخيم و"تطهيره" من المسلحين أدت إلى موجة نزوح كبيرة من المخيم، داخل وخارج سوريا، لكن كثيرين من أهل المخيم، وخصوصاً الفقراء منهم، لم تكن لديهم خيارات أخرى غير البقاء، فاعتبرتهم الفصائل الفلسطينية المؤيدة للنظام السوري متعاطفين مع المسلحين وباشرت خطة للانتقام منهم.

منذ قرابة الستة أشهر منع الحاجز الرئيسي على باب المخيم الناس من الخروج أو الدخول، كما منع دخول أية مواد غذائية، وأية تحويلات مالية قادمة من الخارج، ولم تعد هناك أشغال يعتاش منها الناس، وشحّت المواد وغلت أسعارها، وصار كلّ من يحاول الاقتراب من الحواجز التي تحيط بالمخيم هدفاً للقنص والقتل.

لا يتحمّل احمد جبريل زعيم "القيادة العامة" مسؤولية هذا "الإنجاز التاريخي الأول" (حصار الفلسطينيين لفلسطينيين حتى الموت) وحده، فممثلو الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر، والتي تحوّلت إلى ما يشبه المستحاثات التي لا وجود لها إلا بالاسم، أخذوا بوضع شروط إضافية لدخول المؤن أو للهدنة، فيما كشفت "الهيئة الوطنية الفلسطينية"، وهي الهيئة الممثلة لمنظمة التحرير الفلسطينية في المخيم، عن عجزها المشين عن إدخال قليل من الغذاء والدواء للسكان الجوعى والمحاصرين.

بعض المؤسسات الأوروبية تصل مساعداتها إلى سوريا وتحصل على "الموافقات الرسمية" لإدخالها إلى المخيم لكن حدود هذه الموافقات تتوقف عند مدخل الحاجز وتعود أدراجها.

فلسطينيو المخيّم الذين كانوا يتضامنون بقوّة مع غزة ورام الله ومع كل آلام الشعب الفلسطيني في لبنان والأردن والمنافي لم يجدوا من يتضامن معهم، وهم نهبة لإحساس كبير بالخذلان ليس من الفصائل ومنظمة التحرير فحسب بل حتى من باقي الشعب الفلسطيني.

حتى وقفات التضامن الرمزية التي حصلت في رام الله وغزة وغيرهما بدت كأنها تضامن مع شعب تعرّض لزلزال أو كارثة طبيعية، في حين تمّ تجاهل آلامهم حين كانوا يموتون بقصف النظام السوري عليهم.

إحساس أبناء المخيم أنهم ضحية لمؤامرة جديدة يتشارك فيها النظام السوري (بتنفيذ من الفصائل التابعة له) مع السلطات الفلسطينية التي ترسل وفودها كل فترة للنظام وتبيعه تصريحات المديح المجانية لدولة المقاومة ورئيسها بشار الأسد دون أن يرى فلسطينيو المخيم أثراً ايجابياً لها عليهم ولو هدنة بسيطة تدخل فيها المؤن والأغذية والمساعدات لشعب يفترض أن هذه المنظمة تمثله.

يعتقد فلسطينيو سوريا، أن سعي النظام السوري لتهجير مئات الآلاف منهم إلى بقاع الأرض البعيدة هو جذر "المؤامرة" عليهم، وهو مبرّر سكوت النظم الرسمية العالمية والعربية (وكثير من الفلسطينيين للأسف) على ما يحصل ضدهم.

تتعامل المرجعيّات الفلسطينية، مع قضية مخيم اليرموك ببرودة "إكلينيكية"، تقوم على تعقيم قضيتهم كما لو أنها قضيّة إغاثة إنسانية، نازعة الطابع السياسي عنها، وارتباطها بنضال الشعب الفلسطيني كلّه ضد الاحتلال والاستبداد بكافة أشكالهما، وضد اسرائيل كما ضدّ النظام السوري، وهو النظام الذي دفع الفلسطينيون بدمائهم فاتورة أجندته المستمرة لإخضاعهم بالقوة.

حصار مخيم اليرموك، هو باختصار، جريمة كبرى بحق الشعب الفلسطيني يقوم بتنفيذها النظام السوري بتواطؤ عالميّ وعربيّ.

"القدس العربي" 5/1/2014