جليد الإبراهيمي يذوب دماً!

راجح الخوري

بعد عشرة ايام من المماحكات في "جنيف 2"، قال الأخضر الابراهيمي أنه سعيد جداً "لأننا ما زلنا نتحدث، فالجليد يذوب ببطء لكنه يذوب"، وقياساً بما حمله وفد النظام إلى المفاوضات، يمكن القول أن الابراهيمي بات عالقاً في قطب متجمد يذوب ببطء لتهدر أنهار الدماء في سوريا!

كان عليه أن يذكر أن الأيام العشرة للمفاوضات التي ركزت على المسائل الإنسانية حصدت أكثر من 1900 قتيل، في حين تدك البراميل المتفجرة درعا مع حمص. لكن لندع الجليد الذي يقطر دماً، ونتأمل في عراضات وفد النظام، الذي استمات لتغيير مسار "جنيف 2" عبر سعيه لتقديم موضوع الإرهاب على مسألة الانتقال السياسي التي هي جوهر الحل منذ النقاط الست التي وضعها كوفي أنان واستند إليها بيان "جنيف 1" في حزيران الماضي.

منذ اللحظة الأولى حاول وليد المعلم إرهاب (بان كي – مون) والمؤتمر عبر خطابه الذي حاول أن يسقط الانتقال السياسي، ليحوّل المؤتمر إعلاناً دولياً للحرب على الإرهاب بقيادة الأسد وحلفائه. كان الأمر مثيراً للاستغراب واليأس والسخرية، فحتى عندما وافق وفد النظام على مناقشة بيان "جنيف 1" تبين أنه يبني موافقته على قراءة تحريفية يراد منها التملص من موضوع الانتقال السياسي!

عندما سأل الابراهيمي الوفدين تقديم تصور لبيان جنيف، رد وفد المعارضة بالتركيز على الجوهر أي تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات توقف الحرب وتنقل سوريا إلى عهد جديد يحارب الإرهاب ويقوم على الديموقراطية والحرية، لكن وفد النظام استأخر الرد يومين وجاء بتفسير يهدف إلى تزوير البند الأول من بيان جنيف، الذي دعا في حينه إلى "وقف العنف" وكان المقصود تحديداً عنف النظام، الذي بدأ بتكسير أصابع الأطفال في درعا ثم بإطلاق النار على المتظاهرين سلمياً، ثم باستخدام الدبابات والمدافع وصواريخ "سكود" وسلاح الطيران ثم بالكيميائي.

أخيراً قبل النظام مناقشة اتفاق جنيف مشترطاً المناقشة بنداً بنداً وبالتسلسل، لأن البند الأول منه يدعو إلى وقف العنف، "لكن هذا العنف تحول إرهاباً" كما قالوا، بينما هو عملياً عنف النظام، الذي يبالغ في الإرهاب حتى استخدام السلاح الكيميائي واستولد الإرهاب واستجلب الإرهابيين و"التكفيريين" من الخارج، على دوي المذابح، وها هو الآن يشتري النفط من "داعش" ويمتنع عن قصفها!

الابراهيمي لم يرد على التحريف الذي يحصر العنف بالمعارضة رغم أن العنف بدأه النظام، ورغم أن البند الأول من النقاط الست الذي أسس لبيان جنيف، دعا صراحة إلى "وضع حلول سياسية داخلية تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري ومخاوفه".. والحديث عن جليد يذوب في انتظار اكتشاف المدخل المقبول إلى بيان جنيف، يعني أن أنهر الدماء ستبقى هادرة!

"النهار" البيروتية 1/2/2014