ترشيح بوتين السيسي يؤذيه

راجح الخوري

لأن عبد الفتاح السيسي لم يعلن بعد ترشحه رسمياً لانتخابات الرئاسة المصرية، كانت تمنيات فلاديمير بوتين له بالنجاح في الانتخابات الرئاسية مؤذية ومستهجنة. فعلى رغم الفارق الكبير بين الحالين ذكّرنا بوتين بحافظ الأسد الذي أعلن عام ١٩٩٥ تمديد ولاية الياس الهراوي لمدة ثلاث سنوات في حديث أدلى به إلى صحيفة "الأهرام" المصرية.

يحظى السيسي بإجماع شعبي كاسح في مصر ولا يحتاج إلى من يرشحه من الخارج حتى ولو كان الرئيس الروسي، الذي تعمّد أن يحكّ على جروح الأميركيين، فسارع أوباما إلى القول "لا يحق لبوتين اختيار الرئيس المصري"، ومن المؤكد أن كلام بوتين أزعج السيسي الذي أدى ظهوره بالثياب المدنية إلى إثارة موجة من التعليقات، اضطرت التلفزيون المصري إلى التذكير بأن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو زار مصر في ١٤ تشرين الثاني بثياب مدنية!

كان يكفي أن بوتين أعد له استقبالاً رئاسياً والتقاه في الكرملين، على رغم أن زياته تأتي استكمالاً لمحادثات (٢+٢) التي سبق أن أجراها سيرغي لافروف وشويغو في القاهرة، ووضعت الأسس لإعادة التعاون بين البلدين، من منطلق صفقة تسليح ضخمة ستصل قيمتها في النهاية إلى عشرة مليارات دولار تدفعها السعودية ودولة الإمارات.

وتأتي الصفقة بعدما أوقفت أميركا تسليم بعض الأسلحة إلى مصر احتجاجاً على سقوط "الإخوان المسلمين"، الذين راهنت عليهم لأخونة المنطقة العربية، واتهمت السيسي والجيش بالانقلاب على الشرعية، وهو ما انعكس سلباً على العلاقات العميقة بين البلدين وفتح أبواب موسكو على مصاريعها لاستعادة تاريخ من التعاون الذي كان قد بدأ عام ١٩٥٤ بزيارة مشابهة في اعتراضها على الأميركيين، قام بها عبد الناصر إلى موسكو.

تأييد بوتين لرئاسة السيسي سيعتبر "ترشيحاً خارجياً" يعطي خصومه "الإخوان" ومؤيديهم في واشنطن وأنقرة والدوحة، ذخيرة للهجوم عليه باستعادة الحديث عن "الانقلاب العسكري" على رغم أن السيسي تدخل لمنع انزلاق مصر إلى الحرب الأهلية نتيجة ممارسات "الإخوان"، وهذا أمر مهم وإن كان لن يؤثّر على أهمية الزيارة التاريخية وهي الأولى منذ أربعين عاماً!

كان واضحاً أن موسكو لاقت القاهرة عند نقطة مهمة، وهي الحرص على عدم إثارة المرارة في واشنطن إلى درجة قد تدفعها إلى إفساد العرس المصري - الروسي، فالخارجية المصرية وصفت الزيارة بأنها استئناف للتعاون وترسيخ لمبدأ تنويع البدائل والانفتاح على الجميع، ولافروف قال أن استئناف التعاون بين البلدين ليس تصادماً مع مصالح أميركا، وأن المصريين يدركون أنها لن تفقد نفوذها في المنطقة.

زيارة تاريخية عكّرها استعجال بوتين الاستعراضي، فالسيسي يرشّحه المصريون، أما تأييد بوتين فيأتي لاحقاً!

"النهار" بيروت 15/2/2014