المعلم في حضرة الجربا!

راجح الخوري

سقطت البراميل المتفجرة على "جنيف - 2" قبل أن تهبط طائرات الوفود إلى هذا المؤتمر الذي يستقطب 31 وزيراً للخارجية، في إطار بازار دولي أشبه بالمسخرة لأنه لن يتمكن من أن يوقف ولو للحظة شلال الدم في سوريا المدمرة.

المساخر كثيرة والوقائع المظلمة أكثر. وليد المعلم لم يحمل معه أبجدية جديدة، كرر ما يقوله بشار الأسد من "أن الرئيس والنظام خطوط حمر"، لكنه أبلغنا أن الجلسة المقبلة يفترض أن تعقد في دمشق، ولست أدري في أي سجن باعتبار أن المعارضة مجموعات من الإرهابيين يفترض أن تدخل السجون لا قاعة المؤتمرات، ثم أنه نزع المسوّغ القانوني والسياسي للمؤتمر ما لم يتحول تكليفاً دولياً للنظام وحلفائه بضرب الإرهابيين والتكفيريين، أولئك الذين أطلقهم النظام من سجونه واستجلبهم على رائحة أنهر الدماء المسفوحة منذ ثلاثة أعوام!

ومن المساخر أن الرفيق سيرغي لافروف الذين هلكنا بالحديث عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره، أبلغنا أمس أن هناك تفاهماً روسياً - أميركياً على إدارة العملية السياسية بالاستناد إلى ما سمّاه "مبادرة مشتركة" ترفض تغيير النظام، ولست أدري ولا لافروف يدري، رأي الشعب السوري بالتغيير من عدمه، لكن ربما قمة أوباما وبوتين الهاتفية عرفت ماذا يريد السوريون، الذين لشدة انقساماتهم لا يعرفون ماذا يريدون، فبعضهم حط في المؤتمر وبعضهم اعتبر الأمر خيانة، والبعض الآخر يفضّل المتاريس على المؤتمرات!

لمزيد من المساخر اقرأوا تقرير صحيفة "الدايلي تلغراف" عن التعاون الوثيق بين النظام السوري ومقاتلي "داعش" و"النصرة" والذي يصل إلى حد تمويلهم، في وقت يريد النظام أن يتحوّل "جنيف 2" من وضع أسس "الانتقال السياسي" وتشكيل الحكومة الجديدة، إلى إعلان عالمي للحرب على الإرهابيين وتكليفه مع حلفائه هذه المهمة الجليلة. ولاستكمال دائرة السخرية تذكروا أن جون كيري الواقع في الخديعة منذ ثلاثة أعوام، أبلغنا قبل يومين "أن الأسد لن يستطيع أن يخدعنا"!

لنتصور كيف تم تهريب (بان كي – مون) من الباب الخلفي إلى المؤتمر لكي يهرب من أسئلة الصحافيين عن دعوة إيران والتراجع عنها، وعمن دفعه إلى هذا ربما بهدف نسف المؤتمر المنسوف أصلاً.

يحتاج "جنيف 2" إلى سلسلة طويلة من المؤتمرات الإقليمية والدولية لكي يتلمس طريقه لحلحلة كرة الصوف السوري التي تقطر دماً، لكنه حقق تراجعاً متبادلاً من الطرفين، عندما جلس الأستاذ وليد المعلم في حضرة "الرئيس" احمد الجربا وجلست الأخت سهير الأتاسي في حضرة "المستشارة" بثينة شعبان، فما كان مرفوضاً في الجوهر صار مقبولاً في الشكل! أما البراميل المتفجرة التي تساقطت أمس على رؤوس الجائعين في سوريا فلم يصل دويّها إلى مونترو!

"النهار" البيروتية 23/1/2014