المعلم واللجوء السياسي!

راجح الخوري

في حضور أربعين دولة، وخلال أربعين دقيقة، قدم وليد المعلم نموذجاً حياً عن الإرهاب الذي يمارسه النظام السوري منذ أربعين عاماً. ليس في وسع أحد أن ينكر أن المعلم والوفد السوري حاولا إرهاب مؤتمر "جنيف 2"، وهو ما يعكس سيكولوجياً ثقافة الترهيب المنسحبة عليهم منذ أربعة عقود، إذ لم يتنبه المعلم إلى أنه راح يقمع (بان كي – مون) لا بل قمعه أمام أنظار العالم، لكن عمليات القمع السورية برزت في محطات أخرى في مونترو:

السفير بشار الجعفري قمع الأمم المتحدة "لأن تنظيمها للمؤتمر كان مخيباً للآمال" ربما لأن الدول الأربعين التي حضرت تؤيد انتقالاً سياسياً يوقف المذبحة المتمادية في سوريا، ولأنها كانت غاضبة أمام صور التعذيب الخارجة من سجون النظام والتي نشرتها "الغارديان" وبثتها "سي أن أن".

الجعفري متخم بثقافة الترهيب، فعندما سأله الصحافيون عن صور 11000 معتقل ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام لم يحاول أن ينكر، قال في بساطة "إن التعذيب موجود في معظم دول العالم"، والأمر ليس غريباً فلطالما هو أيضاً عذّب الوفود بخطبه أمام الأمم المتحدة.

الوزير عمران الزعبي هرب غاضباً من سؤال صحافي سوري تكرر 16 مرة: "لماذا لا تلقون البراميل المتفجرة على "داعش" و" النصرة" بل على بيوت الناس؟". كان يمكن أن يذهب هذا الصحافي لملاقاة وجه ربه لو كان في دمشق. ولأن النظام عمّق في جماعته ثقافة الترهيب، لم يتردد الصحافيون الذين أرسلهم إلى المؤتمر في الإطباق بالزعيق في وجه صحافية غربية لأنها استهجنت تصفيقهم بعد خطاب المعلم، رغم اشتباكه المعيب مع (بان كي – مون)، ثم ألم تلاحظوا حبور أعضاء الوفد السوري عندما واصل المعلم قمع (بان) المبتسم!

إذا كانت هذه تصرفات وزراء النظام وديبلوماسييه، فكيف تكون تصرفات سجّانيه في الأقبية التي خرجت منها تلك الصور المخيفة؟ لهذا ليس كافياً أبداً (مستر جون كيري) أن تظهر الانفعال في مؤتمرك الصحافي بعد صمت أميركي عن المذابح مستمر منذ ثلاثة أعوام، ولا يكفي أن تقول: "بشار الأسد هو من يجذب الإرهاب من أنحاء العالم، ولا يمكن أن نقبل بأن تبقى السلطة في يد فرد واحد او عائلة، ولا سلام واستقرار وإنقاذ لسوريا من التجزئة والتقسيم ما دام بشار في السلطة"... هذا كلام يحتاج إلى ترجمة!

ذهب النظام لتحويل جنيف مؤتمراً يلزّمه وحلفاءه "الحرب على الإرهاب"، لكنه قدم عرضاً إرهابياً مذهلاً، حتى احمد الجربا غرق في الضحك.. أما المعلم ورفاقه الذين يعرفون أنهم ارتكبوا أخطاء قد لا يغفرها النظام، فعليهم أن يتذكروا أن جنيف أفضل مكان في العالم لطلب اللجوء السياسي!

"النهار" البيروتية 24/1/2014