بحص جنيف ومطبخ سوتشي!

راجح الخوري

يعرف الأخضر الابراهيمي انه يشرف على طبخة بحص في جنيف. يعرف أيضاً ان النار التي تجعل من البحص صالحاً للأكل ستشتعل في مكان آخر، تحديداً في منتجع "سوتشي" حيث سيلتقي باراك أوباما مع فلاديمير بوتين بعد أيام، وليس سراً أن هناك محادثات هاتفية بينهما تواكب أعمال مؤتمر "جنيف 2"، لكنها تركز بالتحديد على حل المعضلة المعقدة التي تواجه المؤتمر.

يحاول أوباما نزع اللغم الذي دسه سيرغي لافروف في حزيران عام 2012 في اتفاق "جنيف 1"، عندما لم يوضّح مصير الرئيس بشار الأسد في سياق الحل وعملية "الانتقال السياسي"، التي كانت أمس موضوع البحث في المفاوضات، حيث قدم الوفدان السوريان تفسيرين متناقضين تماماً، حاول الابراهيمي عبثاً بناء تفسير ثالث بينهما، في حين يكرر فيصل المقداد ما أعلنه وليد المعلم من أن الأسد والنظام خط أحمر، وأنه لن يتم تسليم الحكم إلى المعارضة في جنيف، وإذا اعتقد البعض أنهم قدموا إلى هنا لنسلمهم مفاتيح دمشق فهم مخطئون!

لا يملك الابراهيمي ولا غيره أي أوهام في أن مؤتمر جنيف هو الواجهة الضرورية للاستعراض التفاوضي، وأن الحلول موضوعة على النار في مطابخ أخرى:

كيف يمكن إقناع الروس بأن يقوموا بإقناع الأسد بأن لا يترشح للانتخابات المقبلة قبل أن تنتهي ولايته، وكيف يمكن إقناع الإيرانيين بأن يتراجعوا عن إعلانهم تأييد ترشّح الأسد.. ثم كيف يمكن تغطية كل هذه الطبخة بشعار "الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره"؟!

قياساً بما جرى في الأيام الخمسة الماضية في جنيف، لا يمكن الحديث سوى عن جليد لم يتكسر. صحيح أن جلوس الوفدين متقابلين يمثل اعترافاً ضمنياً بوجود المعارضة، لكن فيصل المقداد حرص منذ البداية على حذف المعارضة بالقول: "نحن لسنا وفد النظام بل وفد سوريا"، ولكأن المفاوضات تتم مع قوى غير سورية!

ولهذا يستطيع الابراهيمي أن يبدأ البحث عبر حمص أولاً مركّزاً على المسائل الإنسانية التي لا يستطيع الطرفان التنكر لها أمام أعين العالم، لكن هذا لن يصنع حلولاً، والدليل أن وفد النظام يشكك يومياً في القيمة التمثيلية لوفد المعارضة، ثم أن المدخل إلى أي اتفاق يبدو متناقضاً تماماً بين أن يكون "الانتقال السياسي" مدخلاً، أو أن تكون محاربة الإرهاب هي المدخل.

والأزمة ليست بين نظام يذبح السوريين منذ ثلاثة أعوام وبين معارضات تقاومه، إنها أزمة مركّبة ومتداخلة على مستويات إقليمية ودولية، لهذا يحتاج المراقب إلى كثير من الأوهام كي لا يرى أن نار الابراهيمي مشتعلة تحت البحص في جنيف بينما الطبخ يتم بين الأميركيين والروس، وفق معايير تستطيع القوى الإقليمية أن تبتلعها!

"النهار" البيروتية 28/1/2014