"الإنجاز" معلّقة بري - جنبلاط!
راجح الخوري
كيف استطاع الرئيس نبيه بري وهو خير العارفين وأبرع من يمضغ المرارات مبتسماً ويستحضر روح سيبويه لتدوير الكلمات، أن يقول أول من أمس أنه متفائل بالاقتراب من التوصل إلى "إنجاز البيان الوزاري"، نعم هكذا بالحرف "إنجاز" البيان الوزاري!
ولو يا أبو مصطفى، إنجاز أو معجزة القرن، سبحانك اللهم على الإنجازات!
ثم كيف يجرؤ صديقنا وائل ابو فاعور على الإعلان، بعد الجلسة الخامسة من جلسات لجنة الصياغة وعملية "دقّ المي مي"، أن يتحدث هو أيضاً عن روعة هذا الإنجاز، ليقلب وليد جنبلاط على ظهره من الضحك، ولكأن لجنة الصياغة تمكنت بنعمة الله من أن تهتدي إلى تلك الجملة الفارغة أو المفرّغة وغير المفيدة التي تلتبس فيها الحدود بين سيادة الدولة وواقع المقاومة؟
أيها السادة، ما يوفّر التفاهم على البيان الوزاري لحكومة الشهرين، من خلال الجمع الملتبس بين سيادة الدولة وواقع المقاومة، مسخرة لا إنجاز، لأنه يستحيل في النهاية معرفة ما إذا كان لبنان فعلاً دولة ذات سيادة، أو أنه بات حزباً يمارس سيادة الدولة بالإعارة أو بوضع اليد!
"حق الدولة في تحرير أراضيها بكل الوسائل"، جملة لم تمر، لأن "الوسائل" قد لا تعني لغوياً المقاومة، و"حق لبنان في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي" جملة لا تمر أيضاً، فالمطلوب القول "حق لبنان واللبنانيين في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي"، ربما لأن لبنان لا يعني كل اللبنانيين وكل اللبنانيين لا يعنون لبنان، ويحدثونك بعد عن الوطن وعن "الإنجاز"!
فيا له من إنجاز تاريخي غير مسبوق باعتباره سينتشل لبنان الواقف على خط الزلازل، من حضيض الانهيار الكامل إلى حضيض الدولة المهيضة، التي تمكنت بعد تضييع عشرة أشهر من الاتفاق على تشكيل حكومة بالكاد سترى النور قبل أن تذهب إلى الاستقالة، هذا إذا أسعفنا الحظ واستطعنا أن ننتخب رئيساً جديداً للجمهورية السعيدة، وهو أمر يدعو إلى التشاؤم منذ الآن، فإذا كانت جملة في البيان الوزاري احتاجت إلى إنجازات ومعجزات، فأن الاتفاق على رئيس جديد يحتاج إلى تدخل جمهرة من القديسين، ولكن لأن الخلاف محتدم في سماء الطوائف والمذاهب فمن الصعب أن نهتدي إلى معجزة الرئيس الجديد!
لست أدري لماذا يصرون على لحس تواقيعهم على "إعلان بعبدا"، الذي وافقوا عليه وأودعناه الجامعة العربية والأمم المتحدة، ولماذا التحايل والاكتفاء بالحديث عن مقررات الحوار الوطني، وخصوصاً أن هذا الإعلان كان من هذه المقررات. ولكنهم مستمهلون يا جنرال عون فلا يهمهم الهرب من القنّاصة، ربما لهذا اختارت "غوغل" وضع صورة شوشو على بوابتها الرئيسية، لأنه، رحمة الله عليه، مات وهو يصرخ "آخ يا بلدنا"!
"النهار" بيروت 28/2/2014