حراسة الجليد وصناعة الإرهاب!

راجح الخوري

لن يذوب شيء من جليد "جنيف ٢" في عشرة أيام، لهذا يعود الوفدان السوريان الاثنين المقبل إلى جولة جديدة من التراشق بالاتهامات التي سبق أن فضحت النظام وعرّته في الجولة الأولى عندما بيّنت أنه يريد تحريف "جنيف ١" وإسقاط مسألة الانتقال السياسي ليحلّ مكانها موضوع محاربة الإرهاب، طالباً تكليفه مع حلفائه القيام بهذه "المهمة الجليلة"!

الأخضر الابراهيمي لن يتقدم ما لم تسعفه الديبلوماسية السرية التي يفترض أن تنشط مدعومة مثلاً بمحادثات القمة بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين في سوتشي، التي ستجري قبل ثلاثة أيام من عودة الوفدين إلى "المحادثات". لكن قياساً بالقمة الهاتفية بينهما عشية "جنيف ٢" والتي لم تحل أي عقدة، ليس من المتوقع أن نشهد تغييراً في المواقف، فالنظام يزداد تصلباً انطلاقاً من تحسّن في وضعه الميداني، والمعارضة تزداد تمسكاً بموقفها من الانتقال السياسي، انطلاقاً من فشل النظام وانكشافه ليس كصانع لوحش الإرهاب فحسب، كما يقول جون كيري، بل كمتعاون معه ميدانياً ومالياً!

ليس في وسع الابراهيمي أن يفعل شيئاً سوى حراسة الجليد الذي تحدث عنه. أما الروس الذين يغيظهم تلاعب الأميركيين في عقر دارهم (أوكرانيا) فلن يقدموا أي مساعدة، وهكذا عندما يناشدهم الأميركيون مثلاً الضغط على الأسد كي لا يترشّح للانتخابات يضحكون ويضاعفون من تدفق الأسلحة المتطورة إليه، وآخرها وصل تزامناً مع انعقاد "جنيف ٢"، في حين يتبيّن تكراراً أن الحديث الأميركي عن تقديم أسلحة غير فتّاكة إلى المعارضة هو مجرد أكاذيب!

أكثر من ذلك، تتهم موسكو المعارضة بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى حمص القديمة مثلاً، ولا تتردد في البحث عن أعذار للنظام الذي لم يسلّم ترسانته الكيميائية وفق الروزنامة المتفق عليها، لكل هذا تبدو المراهنة على قمة سوتشي خاسرة سلفاً، بما يعني أن مسلسل جنيف سيطول كثيراً وهو ما يذكّرنا مثلاً بمسلسل محادثات لوزان وجنيف وتونس والكويت بين اللبنانيين، التي أفشلها دائماً تدخل سوريا السافر وانتهت بـ"اتفاق الطائف"، الذي عكس توافقاً إقليمياً ودولياً في حينه!

وأهم من يظن أن مؤتمر جنيف يمكن أن يصنع حلاً. الحل في سوريا يتطلب مجموعة حلول وتوافقات إقليمية ودولية، لأن هناك مصالح وتدخلات كثيرة تتقاطع داخل الأزمة المعقدة، وخصوصاً بعدما أفشلت موسكو كل الحلول وتغاضت أميركا عن شلالات الدم والمآسي المرعبة، ولكأنهما تعمّدا تحويل سوريا مصيدة للنظام وحلفائه المتورطين معه في القتال وللإرهابيين المتقاطرين إلى الميدان. لذا قد نشهد الاثنين المقبل جولة جديدة من التراشق بالاتهامات، التي كشفت أن النظام يريد ترهيب العالم بوحش الإرهاب الذي صنعه ببراعة!

"النهار" بيروت 5/2/2014