العبوا غيرها

سلام الشماع

خبر سربوه يريدون من ورائه، كما يتوهمون، إرعاب ثوار العراق وإخافتهم والنيل من عزائمهم ومعنوباتهم.. يقول الخبر:

(تم إرسال مستشارين عسكريين روس الى العراق.. وهم خبراء في حرب المدن.. وهؤلاء وصلوا إلى المنطقة الخضراء قبل أربعة أيام قادمين من سوريا.. وتواجدهم حاليا في السفارة الروسية إذ سيقدمون لـ"جيش المالكي" خططاً عسكرية في عمليات اقتحام المدن وقتال الشوارع).

مثل هذا الكلام لا يهز شعرة في رأس عراقي، وإذا كان موضوعاً لغرض شن حرب نفسية فالعراقي مهيأ نفسياً لمقاتلة أعدائه منذ تلده أمه، وهذا الكلام لا نقوله جزافاً، بل هو حقيقة وواقع ستصطدم به (الخطط العسكرية في عمليات اقتحام المدن وقتال الشوارع) التي يضعها الروس، فالعراقي منذ طفولته يتدرب على الذود عن حماه والدفاع عن وطنه ثم يشب وهو مقاتل عنيد، هل أذكركم كيف كان الصبيان يمارسون (الكسار) في المدن، إذ يتجمع صبيان حي للهجوم على حي فينتفض صبيان الحي المعتدى عليه للدفاع عن حيهم في معركة حقيقة قد تسيل فيها الدماء.. أما صبيان الريف فلا تفارقهم الأسلحة حتى يصبحوا رجالاًً.

العجيب أن يلجأ القادمون من وراء الحدود مع المحتل إلى ممارسة مثل هذه الحيل مع شعب يقاتل منذ نعومة أظفاره، ولكنك ستكتشف أن هذا ليس عجيباً البتة عندما تعرف أن هؤلاء القادمين مع المحتل يجهلون طبيعة العراقي ومراحل تكونه والخبرات التي يختزنها منذ أجداد أجداد أجداده.

في معركة الرارنجية، خلال ثورة العشرين، اشتبك ثوار العشائر العراقية مع القوات البريطانية المدججة بأحدث ما توصلت إليه صناعة السلاح الفتاكة يومها، فيما أسلحة الثوار كانت أكثر من بدائية، ومع ذلك انتصر الثوار على الرغم من التفوق البريطاني في العدة والعدد وكان لهذا الانتصار الأثر الكبير في الثورة حيث ظل البريطانيون ينسحبون من كل معركة يخوضها الثوار معهم.

يقول الدكتور علي الوردي في الجزء الخامس من (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) إن الإنكليز أدركوا (أن انسحاباتهم المتتالية في الفرات الأوسط تؤدي إلى تشجيع العشائر المترددة على الالتحاق بالثورة، فأعد الكولونيل "لوكن" رتلا سمي بـ"رتل مانجستر" بلغ عدد افراده 800، وقد تحرك الرتل من الحلة في 23 تموز سيرا على الاقدام ووصل باليوم التالي إلى قناة الرستمية في اراضي الرارنجية وعسكر الرتل في هذه المنطقة للاستراحة.

والرارنجية اسم لمناطق زراعية واسعة بين الحلة والكفل تبعد عن الأولى 12 ميلا وعن الثانية 8 أميال، وتبلغ مساحتها 4000 دونم، وكان إبراهيم السماوي رئيس خفاجة قد صحب الرتل ليكون دليلا له وعونا ولكن ضميره استيقظ في اللحظة الاخيرة، فتمكن من ان يتغيب عن الرتل ساعتين وذهب إلى عشيرته خلسة فارسل احد الذين يثق بهم ليبلغ الثوار بأمر قدوم الرتل نحوهم.

إن شيخ خفاجة إبراهيم السماوي (صحوجي) مثل أحمد أبو ريشة، ولكن الفرق بينهما أن السماوي استيقظ ضميره بسرعة بينما لم يستيقظ ضمير أبو ريشة إلى الآن، وربما لن يستيقظ.

المهم، وصل خبر قدوم الرتل للثوار فاستنفروا كل قواهم للهجوم على الرتل وتحركت جموعهم نحو الرارنجية وهم ينشدون (رد مالك ملعب ويانا).

وكان الرتل معسكرا عند القناة مطمئنا لا يدري ماذا يخبئ له القدر. وقبيل غروب الشمس في 24 تموز فوجئ بالهجوم عليه من جهات ثلاث: جنوبا وشرقا وغربا.

وكان الهجوم قويا لدرجة ان قائد الرتل أمر جنوده بالانسحاب بعد نصف ساعة من الهجوم، وأصبح الجنود يتسابقون إلى الفرار وحلت فوضى عارمة وصارت العجلات تمرق بين الصفوف فتمزقها تمزيقا.ونشبت عند ذاك معركة ضارية بالسلاح الأبيض واستعمل فيها الثوار اسلحتهم التقليدية كالفالة والمكوار والخنجر وأبدوا فيها شجاعة واستبسال.

استمرت المعركة نحو ست ساعات وكان القمر يومذاك في ليلته التاسعة فساعد نوره في اضاءة ساحة المعركة ولم يستطع النجاة من رجال الرتل الا أقل من نصفهم، كما يذكر ذلك قائد القوات الإنجليزية في العراق الجنرال هالدين.

وصف القيادي الإنكليزي هالدين المعركة بالكارثة ويقدر خسائرها بـ20 قتيلاً و60 جريحاً و318 مفقوداً. وكانت خسائر الثوار 84 قتيلا و158 جريحاً. وكانت غنائمهم كثيرة من بينها 52 رشاشا وعدد لا يحصى من الحيوانات ومقادير كبيرة من الاعتدة والنقود والاطعمة وكان من أهم الغنائم أيضا مدفع عيار 18 رطلاً، وأسروا 144 منهم 80 بريطانياً بينهم ضابطان و66 هندياً كان بينهم مسلمين، وساقهم الثوار إلى الكفل مشياً على الأقدام فوصلوا إليها مساء 25 تموز ثم نقلوا في اليوم الثاني إلى مدينة النجف وهي معقل الثوار آنذاك، كما هي الرمادي والفلوجة اليوم، وأنزلوهم في خان الشيلان، وقد زرته في ثمانينات القرن الماضي وساعدت رسوم الأسرى الانكليو وكتاباتهم على جدرانه.

وإذا لم نشأ أن نذهب بعيداً فهذه معركتا الفلوجة الأولى والثانية التي انهزم فيها أقوى جيش على وجه الأرض في هذا العصر بتكتيكات بسيطة نفذها المقتلون العراقيون، فأين نضع جيش المالكي بين الجيشين البريطاني والأمريكي اللذين هزمها المقاتل العراقي بأسلحة خفيفة ومتوسطة؟

مثل خبر استقدام خبراء روس في حرب المدن لن يقدم ولن يؤخر، ولكنه قد يتيح فرصة لثوار العشائر فرصة للضحك على هذه الخطط التي سيناورونها بتكتيكات عراقية أصيلة ويهزمونها.. ولسوف يهزم الجمع ويولون الدبر.

لذلك نقول للمالكي ومن أشار عليه باستقدام هؤلاء الخبراء ليبددوا عليهم أموال العراق: العبوا غيرها.

18/2/2014