مفتاح الحل السوري في عهدة دولتين متخاصمتين
سليم نصار - كاتب وصحافي لبناني / لندن
في وقت تشاغلت الدول العربية بمتابعة اجتماعات جنيف، كما تشاغلت الولايات المتحدة برصد التطورات التي أحدثتها الأزمة الأوكرانية على مستوى العلاقات مع روسيا، استغلت إيران الظروف المتأزمة لتُقدِم على خطوة اقتحامية نقلت من خلالها نفوذها السياسي إلى اليمن والصومال ومضيق باب المندب.
رأى المراقبون في هذه الخطة استكمالاً لعملية نشر حضورها غرباً على طول الشاطئ المتوسطي الممتد من لبنان وسوريا إلى تركيا. والثابت أن الخبراء العسكريين الذين أرسلتهم طهران للإشراف على عمليات النزاع في اليمن هم الذين نصحوا بضرورة تأمين السلاح الثقيل لحلفائهم الحوثيين. وبفضل ذلك السلاح الهجومي اقتحم المقاتلون مناطق حوث وخيوان والخمري، الأمر الذي وضعهم على أعتاب معاقل أولاد الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر. ويتهم أنصار الشيخ الأحمر الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالانحياز الى موقف الحوثيين على أمل منحه دوراً جديداً يعيد إليه الاعتبار.
المفاجأة الثانية التي صدرت عن مؤتمر الحوار الوطني، أعلنها الرئيس عبد ربه منصور هادي في مؤتمر صحافي يوم الاثنين الماضي. وقال إن اللجنة حسمت مستقبل البلاد عبر تقسيمها إلى ستة أقاليم، أربعة في الشمال وإثنان في الجنوب، على أن تكون صنعاء عاصمة الدولة الاتحادية.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) أن قرار اللجنة استبعد خيار التقسيم إلى إقليمين، شمالي وجنوبي، حسبما طالب الحزب الاشتراكي. ولكنه تعمَّد إرضاء الحوثيين عندما خصَّهم بمنفذ بحري للإقليم الذي يضم محافظة صعدة حيث معقلهم الرئيسي.
وعلى الرغم من صدور قرار مميز يخدم مصالح الشيعة، فأن جماعة الحوثيين اعترضت على التوزيع، مطالبة بإنشاء دولة شيعية مستقلة على حدود السعودية التي تضم مقدرات نفطية وتتمتع بمنفذ على البحر الأحمر. ولكن هذا الاعتراض لم يلغِ أهمية إيران التي باتت تشكل اللاعب الأبرز على الساحة اليمنية.
ومن خلال الامتيازات التي حصل عليها الحوثيون، راحت إيران تتصرف كدولة غير معنية بقواعد اللعبة التي رسمتها في جنيف مع الولايات المتحدة. أي دولة ذات خطة إقليمية واسعة تعمل على تنفيذها بإصرار واستهداف عميقين.
ومع أن التحول اليمني لم ينضج قبل مروره باختبارات طويلة ومضنية، إلا أن مجرد الإعلان عنه من قبل رئيس الجمهورية سيفسح المجال لظهور مفاجآت مماثلة قد تعلن عنها قيادات الثورة الليبية. والسبب أن الوحدة التي فرضها معمر القذافي بالقوة بين طرابلس وبنغازي معرضة للتمزق بإرادة الميليشيات المسلحة التي تمنع إحياء المؤسسات الرسمية.
وذكرت الصحف الألمانية، أثناء انعقاد مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ، أن أعداداً كبيرة من الإرهابيين والإسلاميين المتشددين قد لجأوا إلى مدينة (درنة)، وجعلوا منها معقلاً للقادمين من أفغانستان وباكستان والصومال ومالي. وبعد أن يتم تدريبهم، ينتقلون للقتال في سوريا والعراق وغيرهما من المناطق الساخنة.
وادعت تلك الصحف أن زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري وصل إلى (درنة) من طريق البحر، وذلك بهدف جعلها عاصمة دائمة لنشاطاته. وهو مقتنع بأن الذي يحكم ليبيا يستطيع أن يتحكم بسياسة مصر، ويؤمن السلاح بكثرة لجماعة "الإخوان المسلمين".
وفي حال تأخر ظهور المنقذ، فإن توقعات الخبراء تستبعد ترسيم حدود جديدة للدول التي ستصاب بعدوى التغيير والتشطير مثل لبنان. علماً أن لبنان سيكون آخر دول المنطقة تأثراً بما يجري داخل حدوده وخلف حدوده. والسبب أن توق أبنائه إلى الحرية والتغيير دفعهم إلى منع الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب من التجديد أو التمديد. ولولا الضغوط السياسية التي مارسها الرئيس بشار الأسد من أجل تمديد ولاية الرئيس اميل لحود، لكان لبنان سجل واقعة استثنائية بين دول الجامعة العربية!
مخاوف اللبنانيين من المستقبل المجهول ازدادت وتعمقت بعدما فشلت كل المحاولات الداعية إلى تشكيل حكومة توافقية. وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع السلبي على انتخابات رئاسة الجمهورية، وعلى أجواء الوفاق المطلوبة في مرحلة بالغة الأهمية.
ويرى خبراء الاقتصاد أن أزمة النازحين السوريين تركت بصماتها على مختلف السياقات الاجتماعية والمعيشية. علماً أن مساهمة العمال السوريين سابقاً كانت مقتصرة على قطاعي البناء والزراعة. ولكنها اقتحمت هذه المرة كل القطاعات بما فيها المهن الحرة التي تفرض المنافسة بصورة غير مشروعة، لأن النازح السوري لا يدفع ضريبة ولا يسدد اشتراكات الضمان الاجتماعي. وبسبب شراسة الحرب الأهلية السورية، ازدادت تلقائياً حركة النزوح إلى لبنان بحيث وصل العدد إلى مليون وثلاثمئة ألف نسمة.
هذا الأسبوع، اتجهت الأنظار إلى جنيف على أمل أن ينجح الموفد الأممي الأخضر الابراهيمي في إحداث تقارب بين موقفي النظام السوري والمعارضة. ووعد الابراهيمي برفع تقرير إلى أمين عام الأمم المتحدة، علماً أن التقدم على هذا المسار لم يكن على مستوى التوقعات. والسبب أن الناطق الاعلامي باسم وفد المعارضة، لؤي الصافي، أصرَّ على مناقشة موضوع الإرهاب بعد تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات تحل محل الرئيس بشار الأسد. هذا في حين رأى فيصل المقداد، نائب وزير خارجية سوريا، أن الإرهاب يجب أن يتقدم كل المسائل الأخرى كونه يمثل محور المباحثات بين الائتلاف والنظام.
في ضوء هذه الاخفاقات، قال الوزير الأميركي جون كيري إن مؤتمر جنيف لن ينجح في ردم الهوة بين الفريقين المتحاربين. وعليه، فهو يعتقد بأن الرئيس السوري بشار الأسد ليس مستعداً للقبول بفترة انتقالية يتخلى خلالها عن الحكم. وهو في هذا السياق يؤمن بأن المعارضة ستخسر على الصعيد الداخلي بسبب الخلافات القائمة بين فصائلها.
وترى الإدارة الأميركية، استناداً إلى مصادر تركية، أن "الجيش الحر" تراجع خلال الشهر الماضي عن تحقيق أي نصر يمكن المساومة عليه. وقد حلت في الصدارة القوى الإسلامية المتطرفة مثل "داعش" "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام"، أو مثل "الجبهة الإسلامية" التي تواصل تقدمها في حلب وحمص.
والثابت عسكرياً أن البراميل المتفجرة كانت العامل المؤثر في سير المعارك، خصوصاً بعدما زودتها روسيا بكميات ضخمة تزيد عن حاجة النظام. وجاء في تقرير أعده المكتب الإعلامي للثورة السورية أن هذه البراميل حصدت خلال سنوات الثورة الكثير من الشهداء، وخلفت دماراً هائلاً في كل مكان أصابته. وتُعتَبَر هذه القنابل جزءاً من الترسانة الروسية التي ساهمت في ربح معركة الشيشان. وتضم كل قنبلة (برميل) كمية كبيرة من مادة (تي أن تي) بحيث تنفجر بمجرد اصطدامها بالأرض. والبراميل الأكثر استخداماً في سوريا هي من نوع (فاب) 250 كيلوغراماً و(فاب) 500 كيلوغراماً. وهي تسبب عند انفجارها موجة ضغط شديدة مترافقة بلهب وحرارة مرتفعة مع إطلاق كميات من الشظايا القاتلة. وهي مناسبة لضرب التجمعات السكنية والأرتال العسكرية وغير مفيدة في استهداف أبنية صغيرة أو أهداف متحركة.
ويرى الخبراء العسكريون الروس أن هذا السلاح يعوِّض عن خسارة السلاح الكيميائي، وأن تأثيره المعنوي أبعد وقعاً. ومن أجل تغيير هذا السلاح، اقترحت الدول الغربية التعاون بين الجيش النظامي والجيش الحر. ولكن مثل هذا التعاون يستدعي إسقاط الأسد، أو إخضاع جيش الثوار لقيادة عسكرية يقف الأسد على رأسها. وفي الحالين، استبعدت روسيا اقتناع الجهتين بجدوى هذه الفكرة العقيمة.
بقي أن نذكر أن مؤتمر جنيف تعرض لبعض التعديل لدى الائتلاف المعارض. ذلك أن الوفد السياسي المفاوض استقدم سبعة خبراء عسكريين أبرزهم يمثلون "جبهة ثوار سوريا" و"قيادة غرف العمليات المشتركة في حوران" الممثلة لـ 18 مجموعة مقاتلة على الأرض.
إضافة إلى هذا، فقد نصح جهاز الاستخبارات السويسري وفد المعارضة بأن يبدل مكان سكنه من فندق (رويال) إلى فندق (انتركونتننتال). والسبب أن رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، يملك حصة كبيرة في الفندق الأول، الأمر الذي سهَّل للإدارة التنصت على الأحاديث السرية لأفراد وفد المعارضة. وكان هذا الوفد قد أقام في فندق (رويال) خلال جولة التفاوض الأولى.
وفي أول خطاب له بعد تسلمه مهمات وزارة الأمن الداخلي الأميركي، أعلن (جيه جونسون) أن سوريا أصبحت قضية أمنية بالغة الخطورة لنا ولحلفائنا الأوروبيين. وقال الوزير في (مركز ويلسون)، المتخصص بمعالجة الشؤون السياسية، أن النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات في سوريا، والذي أودى بحياة 136 ألف شخص... هذا النزاع يتحول تدريجاً إلى مسألة أمن داخلي لنا وللأوروبيين.
ونصح في كلمته الدول الحليفة بأن تمنع المتطوعين من السفر إلى سوريا للاشتراك في النزاع، لأن بلدانهم الأصلية تعاني من سلوكهم المتطرف بعد العودة. وخلص في كلمته إلى القول بأن التدخل العسكري في سوريا لن يكون خيار البيت الأبيض. وذكَّر بأن الحرب الأهلية في سوريا مستمرة منذ 35 شهراً... وأن الرئيس أوباما سينهي ولايته الرئاسية الثانية بعد 35 شهراً.
وبسبب خلافه العميق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فأن المراقبين لا يتوقعون انفراجاً دولياً في القريب العاجل، إلا إذا تعثر انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان... أو إذا نجحت "القاعدة" في الاستيلاء على الحكم في ليبيا.
"النهار" بيروت 15/2/2014