صعود الراديكاليات الدينية وبثّ الفوضى في المنطقة
بقلم: سميرة رجب
بعد احتلال العراق، قرأنا جميع المؤشرات حول الترتيبات المرسومة للمنطقة.
المؤشر الأول: كان إلغاء أهم وزارات العراق السيادية، الدفاع (الجيش)، الداخلية (الأمن)، الإعلام (السلاح الجديد) وبذلك تم كسر أهم مفاصل سيادة الدولة وأمن المجتمع وبث الفوضى، والفوضى، والفوضى.
المؤشر الثاني: كان السماح بدخول مليشيات "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" (تأسست في إيران بقيادة أبناء الحكيم) إلى العراق قادمين من إيران، وهذا ما تناقلته الفضائيات بالبث المباشر لمراسم عبور أكثر من عشرة آلاف مقاتل من هذه المليشيات إلى الأراضي العراقية بكل عتادها العسكري عبر الحدود الإيرانية إلى مدينة البصرة العراقية، بينما كانت الهيلوكوبترات ومصفحات جيوش الاحتلال تراقب وتحمي مسارها.
المؤشر الثالث: كان نظام الحكم الديني، الطائفي، الإثني، الذي صنعه الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر في العراق بتشكيل "مجلس الحكم الانتقالي" ذي الخمسة والعشرين حاكماً، وما تبع ذلك من انتخابات بقوائم مذهبية وإثنية، واقتتال المترشحين بما لا علاقة له بأي شكل من أشكال الديمقراطية.
المؤشر الرابع: جاء في الدستور الجديد الذي قسّم العراق لأقاليم مذهبية وإثنية متصارعة.
مؤشر الخامس: كان استيراد الإرهاب "القاعدة" إلى العراق الذي كان خالياً مما يُدعى بالتنظيمات الجهادية (بجميع مذاهبها) التي ابتليت بها المنطقة العربية منذ الحرب الأفغانية السوفيتية، ورجوع ما سُمّي بالأفغان العرب وتنظيماتهم وأيديولوجياتهم الراديكالية الدينية والمذهبية الخطيرة.
وهكذا انتهى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بنجاح تنفيذ مشروع إنهاء دولة العراق المدنية، وتحويلها إلى نظام حكم ثيوقراطي مذهبي متصارع، وأقاليم منقسمة على نفسها، تحميها مليشيات الأحزاب الدينية. وأهم إنجازات النظام الجديد في العراق كانت إلغاء قانون الأحوال الشخصية، الذي كان يعطي المرأة العراقية حقوقها كاملة في الزواج والحضانة والعمل والميراث، وإلغاء دستور الدولة المدنية الموحدة لصالح دستور جديد قائم على مصالح الأقاليم والمذاهب والإثنيات، ولازال الاقتتال والتفجيرات وشلالات الدم متواصلة هناك بعد مرور عشرة أعوام على هذا الاحتلال.
إذن كانت رسالة الاحتلال إلى المنطقة واضحة تماماً. زرع الإرهاب، قيام أنظمة دينية مذهبية متصارعة، إدخال المنطقة إلى حظيرة الاقتتال الطائفي والديني، الدخول إلى حظيرة الفوضى والتخلف لتبقى بلداننا عارية أمام الإعلام الجديد ومنظمات حقوق الإنسان كسلاح جديد لصالح التدخل الخارجي بكل بطشه.
واعتماداً على هذه المؤشرات المتلاحقة، والتي حصلت في فترة قياسية، هي أقل من سنة واحدة، نشرت "أخبار الخليج" لي مقالاً في عام 2004 أؤكد فيه أن "أي تغيير قادم في أي نظام عربي سيكون لصالح أحزاب الإسلام السياسي ونشر الفوضى"، أي إن التغييرات التي رُسمت في مشروع "إعادة صياغة المنطقة سياسياً وجغرافياً"، والذي أعلنه وزير الدفاع الأمريكي في فبراير/شباط 2003 في مجلس الأمن، يمكن اختصارها في: تمكين الأحزاب الدينية والراديكالية بالمنطقة للوصول إلى الحكم، عبر توفير مختلف أشكال الدعم الخارجي والداخلي، الإعلامي والحقوق، ومن المعروف أن الحكم الديني يعد أقصر وأسهل الطرق لبث الفوضى والفرقة والاقتتال والصراع في المجتمعات العربية، والنموذج العراقي يؤكد هذه الحقيقة بدون أدنى شك، وهذا ما تم التأكد منه حتى الآن في مناطق التغيير.
واليوم، بعد مرور ثلاث سنوات على حركة التغيير التي اجتاحت المنطقة، أضع أمام القارئ العزيز هذه الحقيقة مرة أخرى، للتقييم والتأكيد، أولاً: مدى صحة المؤشرات العراقية التي قرأناها مبكراً وأشرنا من خلالها لما هو قادم على مدار السنوات الماضية. وثانياً: ما تعانيه بلداننا من أخطار لازالت قائمة في ظل استمرارية مشروع التغيير الذي يستهدف بلداننا.
وفي السياق ذاته، نتحدث من البحرين، جزيرتنا الجميلة والحالمة، لنؤكد أننا تمكنّا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من مقاومة محاولات تقويض أركان الحكم والدستور وهدم المؤسسات، وأفشلنا مشروع بث الفوضى الذي استهدف به بلادنا كما استهدفت البلاد العربية الأخرى. تمكنّا حكومة وشعباً من النجاح في مواجهة الحدث الذي تم الإعداد له في الظلام للاستفادة من عامل الصدمة والمفاجأة. تمكنّا من أن نحافظ على وحدة المجتمع رغم كل المحاولات التي لازالت تحاول تشويه تجانس المجتمع وحقنه بالعنف الطائفي. تمكنّا من الحفاظ على سيادة الدولة والقانون والمؤسسات، ومع هذا كله تمكنّا من تصحيح وترميم أماكن الضعف التي ربما لم تكن منظورة في حينها، مما بات يدعم قوة الدولة وأركانها، ولا نزال نعمل.
ورغم كل المحاولات الإعلامية المفبركة لتشويه الصورة السليمة عن حقيقة الوضع الآمن في البحرين، والمحاولات البائسة لبث العنف وترويع الآمنين، فإننا لم نسمح لجرّ بلادنا إلى الاقتتال والفوضى كما هو جارٍ في مناطق التغيير التي نسمع ونشاهد أخبارها بكل حزن.
واليوم حان الوقت لنقول كلمتنا في هذا الإنجاز الذي حققناه نحن في مملكة البحرين، حكومة وشعباً، كلمة حق لربما سهونا عن قولها في خضم المسؤوليات الكثيرة التي قمنا بتنفيذها، نقولها اليوم بملء الفم، نعم نجحنا في الحفاظ على بلادنا أمام مد خطير استهدف أمننا وهويتنا وسيادتنا ومستقبل أجيالنا، أما قوتنا في مواجهة ذلك التغيير المؤامراتي الخطير الذي كاد أن يجرف بلادنا والخليج العربي من ورائنا، فقد كانت ولازالت مستمدة من المشروع الإصلاحي الذي بدأناه مبكراً في (ربيع) عام 2000، بمبادرة جلال ملك البلاد الإصلاحية للتحول الديمقراطي، ومن قوة دستورنا الذي أسس للحريات والحقوق والمساواة والفصل بين السلطات تأسيساً حقيقياً وفعلياً على أرض الواقع، ومن قوة مؤسساتنا وتشريعاتنا وما وقّعناه من مواثيق ومعاهدات دولية، وقوة اقتصادنا المحمي بأكثر التشريعات تطوراً ومرونة، وقوة المرأة البحرينية التي لم ولن تتنازل عما تملكه من حقوق كاملة ومكتسبات دستورية ومجتمعية أمام من يريد أن يرجعها إلى عصر الحريم والحرملك. بهذه القوة تمكنّا من مقاومة المؤامرة والمتآمرين، والدفاع عن مكتسباتنا وإنجازاتنا ورفاه مجتمعنا.
فها هي ذكرى ربيعنا يعود لنحتفل بالمشروع الذي بدأناه، وسنستمر به للوصول إلى المزيد من الجمال، والكمال لله وحده. فأهلاً بفبراير الميثاق والديمقراطية والحريات.
2/2/2014