بّما بَعد ليل طويل
سامي مهدي
كلّ وجهٍ هنا مرقدٌ للغبارْ،
وذبولِ النهارْ.
كلّ وجهٍ سؤالْ
ووعودٌ مؤجلةٌ وانتظارْ.
فالذينَ أتوا راحلونَ غداً،
والذينَ سيأتونَ من بعدِهمْ يرحلونَ،
ولا شيءَ غيرُ ملاطفةٍ واعتذارْ.
أترى حَمَلوا معهمْ في السلالْ
غيرَ ما ولدوا من عقاربَ أو من صِلالْ؟
أترى حدثّوا الريحَ عن سُنَنِ الغابرينْ،
أم تناسَوا وخاضوا مع الخائضينْ
في دماءِ الفرائسِ، واحتطبوا أذرعَ الأتقياءْ؟
سيقولونَ: ما نحنُ في سعينا أنبياءْ
لنكفّرَ عمّا تُورِّطُنا فيهِ ثرثرةُ السفهاءْ.
سيقولونَ: هذا هو ما عندنا من بريدْ،
فاحفظوا ما حفظناهُ عن غيرِنا من نشيدْ!
أنشيدٌ جديدٌ إذن؟!
ولمَنْ؟!
للهجينِ المُرَوَّضِ، أم للدَعِيِّ الغريبْ؟!
لم يعدْ للأناشيدِ طعمُ الزبيبْ.
لم يعدْ للصغارِ بياضُ الحليبْ.
والمآذنُ تجلدُها الطائراتُ
ويقضمُ تيجانَها لفحُ نارِ الحروبْ.
والصغارُ إذا شربوا جرعةً يَشرقونْ،
والكبارُ إذا أكلوا لقمةً يَشهقونْ،
ولكلٍّ صحائفُ مثقلةٌ بالذنوبْ.
وأنا عالقٌ في المَدارْ،
أترنّحُ ما بينَ نارٍ ونارْ،
وأقولُ لنفسي:
إذنْ كيفَ لي أن أكونَ أنا وأكونَ سوايْ؟
كيفَ لي أن أدمّرَ ما أنشأتهُ يدايْ؟
ها هي الريحُ صامتةٌ،
والمقاعدُ خاويةٌ،
والتصاويرُ مقلوبة فوقَ وجهِ الجدار،
وأمامي خرائطُ غامضةٌ،
لا مرافئَ تبدو عليها،
ولا ضوءَ ينبضُ في ساحلٍ أو فنارْ.
ربّما بعد ليلٍ طويلْ
يتكشّفُ أفقٌ جديدْ
ونرى من بعيدْ
مرفأً مشمساً، ثم نمضي إليه.
أو نرى غيرَ تلكَ الوجوهِ التي زجرتنا
وغيرَ الأيادي التي زاحمتنا عليه.
أو يرانا دليلْ
أنضجَ الصمتُ حكمتَه فاهتدى لسبيلْ.
غيرَ أنَّ الذي أشهدُ الآنَ هذا السعارْ
والكلابُ التي تنهشُ اللحمَ والعظمَ،
والأفقُ وهو يسحّ دماً،
والمراكبُ وهي مسمّرةٌ بوعودٍ مؤجلةٍ
وانتظارْ.
3/1/2014