التفاوض من خارج جنيف
سميح صعب
تحول الامتدادات الإقليمية والدولية للأزمة السورية دون ايجاد حل لها. فالصراع الممتد منذ ثلاثة أعوام نسج حوله شبكة من التعقيدات الإقليمية التي يجسدها الصراع السعودي - الإيراني وصولاً إلى الصراع الأميركي - الروسي الذي تعتبر سوريا إحدى ساحاته ولا يتوقف في أوكرانيا ولا يستثني أمن الدورة الشتوية للألعاب الأولمبية في سوتشي. وهكذا صارت سوريا جزءاً من صراعات أكثر تعقيداً ولذلك لا يتوقع أن يؤتى مؤتمر "جنيف2" ثماره في سلوك سبل الحل السياسي لأزمة غيرت وجه سوريا وهي تهدد بتغيير وجه الشرق الأوسط كله.
لقد عكس "جنيف2" تعقيدات الأزمة وصعوبة الحل في الوقت عينه. لذلك بدأ اطراف إقليميون مثل تركيا يفتشون عن حلول تمر بإيران وبروسيا، فكانت زيارة رجب طيب أردوغان لطهران قبل أيام بعدما كان زار روسيا أواخر العام الماضي. لكن دول الخليج العربية لا تزال مقتنعة بأن الحل السياسي غير مجد في سوريا وبأنه لا يزال من الممكن إسقاط النظام بالقوة بصرف النظر عن المخاطر التي يرتبها مثل هذا الخيار ليس على سوريا فحسب وإنما على المنطقة برمتها. وتشاطرها الولايات المتحدة خيار تغيير النظام لكنها تفضل أن يحصل سلمياً من طريق "جنيف2". لذلك أقصت واشنطن إيران عن المؤتمر لأن طهران غير مقتنعة بأن النظام في سوريا يجب تغييره وإن تكن تدعو إلى إصلاحات جذرية تبدأ بانتخابات يختار فيها الشعب السوري ممثليه لا أن يعينوا من الخارج.
وفي الوقت عينه لا يعني إقصاء أميركا لطهران عن "جنيف2" أن واشنطن لا تعترف بالدور الكبير لإيران في سوريا أو في مواقع أخرى من المنطقة وخصوصاً في العراق أو غداً في أفغانستان. وتسعى الولايات المتحدة إلى جعل سوريا اليوم ساحة الاختبار لمدى التحول في إيران. لكن إيران تستثني النظام السوري من أوراق المساومة الإقليمية، من غير أن يعني ذلك أنها ليست مستعدة للبحث عن حلول من خارج "جنيف2" وما استقبال اردوغان إلا إشارة إلى هذا الاستعداد.
وفي ما يتعلق بروسيا، أضاف انفجار الأزمة الأوكرانية المزيد من التعقيدات إلى العلاقة الأميركية - الروسية وانعكس ذلك على "جنيف2". واضطر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى التذكير بأن ليس من مهمات "جنيف2" تغيير النظام في سوريا وأن يؤكد أن الأولوية يجب أن تعطى لمحاربة الإرهاب وأن يصف بـ"القذارة" تلك التصريحات الغربية التي تربط بين النظام السوري و"داعش".
من التعقيدات التي برزت في "جنيف2"، يثبت أن للحل في سوريا طرقاً أخرى ينبغي سلوكها. وإلى أن تتغير اقتناعات البعض فإن الحرب مستمرة.
"النهار" البيروتية 1/2/2014