ذهب مشيراً وعاد رئيساً

سميح صعب

مدى ثلاثة أعوام أظهرت روسيا ثباتاً وبراعة في سياستها حيال سوريا. ربما كان "الدرس الليبي" هو الذي جعل الكرملين يتنبه إلى أن خسارة سوريا لا تعني تقليص النفوذ الروسي في "الشرق الأوسط" فحسب أو مجرد انكفاء عن المياه الدافئة، بل أن الأحداث الجارية تمس بالأمن الروسي في الصميم نظراً إلى الفوضى التي نجمت عن تفجير الساحة السورية وتمكين الجماعات الجهادية المتشددة من اكتساب نفوذ لم تكن تملكه قبل هذه الأزمة.

ولعل العقل البارد الذي تعاملت به روسيا مع "ثورات" ما سمي "الربيع العربي" ووصول الإسلام السياسي إلى السلطة في مصر وتونس ومشاركته فيها بليبيا، هي التي حملت وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي الذي بات في حكم المرشح الأقوى للرئاسة اليوم، على الانفتاح على روسيا وصولاً إلى صفقة التسلح التاريخية المزمعة التي أعادت إلى الأذهان ربيع العلاقات المصرية -السوفياتية في ظل حكم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وكرست صفقة الأسلحة الروسية اليوم نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات بين مصر وروسيا، كما كانت صفقة الأسلحة التشيكية التي أبرمها عبد الناصر عام 1955 نقطة فاصلة في انتقال مصر من المعسكر الغربي إلى المعسكر السوفياتي. وللمرة الأولى منذ 40 عاماً تشكل السياسة التي ينتهجها السيسي تخلياً كاملاً عن شعار الرئيس المصري الراحل أنور السادات القائل بـ"أن 99 في المئة من أوراق الحل في الشرق الأوسط هي في يد الولايات المتحدة."

وطبعاً الولايات المتحدة اليوم غير الولايات المتحدة التي تحدث عنها السادات. وإذا كان الانكفاء الأميركي من العوامل التي جعلت روسيا تتقدم في "الشرق الأوسط" فتتمسك بسوريا وتستميل مصر، فإن عوامل أخرى ساهمت في دفع السيسي للتوجه إلى روسيا منها سوء القراءة الأميركية لـ"ثورات" المنطقة ومسارعتها إلى احتضان "الإخوان المسلمين" بديلاً من الجيوش. بينما تحصد روسيا اليوم ثمن تأنيها في الموقف مما يجري في "الشرق الأوسط" منذ ثلاثة أعوام. ومعلوم أن موسكو كانت الدولة الوحيدة التي حذرت من مغبة أن يفضي "الربيع العربي" بعد انفجار الأزمة السورية، إلى صراع مذهبي بين السنة والشيعة كما هو حاصل اليوم. أما الولايات المتحدة، فاندفعت بعقدة دعمها لأنظمة استبدادية في "الشرق الأوسط" إلى دعم حراك سياسي لم يلبث أن تحول فوضى أمنية وسياسية وصراعاً مذهبياً استغلته الحركات الإسلامية المتشددة.

ومع التحول المصري في اتجاه روسيا، يجني الرئيس فلاديمير بوتين ثمار سياسة خارجية في الأعوام الثلاثة الأخيرة جعلت روسيا تستعيد الكثير من مكانتها الدولية سواء عبر سوريا أو عبر مصر اليوم.

"النهار" بيروت 15/2/2014