السيسي للرئاسة ما هي المشكلة؟!

السيد زهره

مسألة أن يترشح أو لا يترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري للرئاسة، أصبحت كما نعلم قضية كبرى في الفترة الماضية، يدور حولها الجدل والنقاش في داخل مصر وخارجها.

في مصر، توجد كما هو واضح أغلبية شعبية كاسحة تريد أن يترشح السيسي، وتعتبر أنه الرجل الأنسب لقيادة مصر في هذه المرحلة الصعبة الحساسة.

في مقابل هذا، توجد بعض القوى والأفراد الذين أعربوا علناً عن تحفظاتهم على ترشيحه، أو حتى رفض هذا الترشيح صراحة.

وفي الخارج أيضاً، بينما هناك دول عربية كثيرة ترغب في أن يترشح السيسي، وإن لم تعلن هذا صراحة، فهناك بالمقابل دول مثل أمريكا والدول العربية والإقليمية القليلة جداً التي مازالت تدعم الإخوان المسلمين، لا ترغب في أن يترشح السيسي، وتسمح بشن حملات عليه.

من حيث المبدأ، هذا الجدل والخلاف يبدو غريباً لأول وهلة. من المفروض ألا تثير مسألة أن يترشح أو لا يترشح السيسي كل هذا الجدل والخلاف.

لماذا؟

لأن السيسي مثله مثل أي مواطن مصري تنطبق عليه شروط الترشيح، ومن حقه أن يترشح للرئاسة إذا أراد. وفي الوقت نفسه من حق أي أحد آخر يجد في نفسه الكفاءة لهذا المنصب أن يترشح، وأن ينافس السيسي في حال ترشحه.

فما هي المشكلة إذن؟.. لماذا تثير المسألة كل هذا الجدل؟ وماذا وراء ذلك؟

بالنسبة إلى الغالبية الساحقة من شعب مصر التي تريد للسيسي أن يترشح، لا توجد أي مشكلة. أعني لا توجد أي مشكلة في فهم دوافعها والأسباب التي تجعلها تريد السيسي رئيساً. الشعب المصري يعتبر أن السيسي بطل شعبي بمعنى الكلمة بعد أن لعب دوراً حاسماً في الانحياز إلى ثورة الشعب وإنقاذ البلاد من حكم الإخوان الفاشي. والشعب المصري يعتبر أن الأولوية المطلقة اليوم هي لإقرار الأمن والاستقرار في البلاد، وهو ما يحتم وجود رئيس قوي قادر على تحقيق ذلك. وغير ذلك أسباب كثيرة ليس هنا مجال الخوض فيها.

المشكلة هي في القوى والأفراد في مصر التي ترفض هذا الترشيح، وفي الدول الأجنبية التي لديها الموقف نفسه.. ما هي مشكلة هؤلاء بالضبط؟

لنلاحظ أن الذين يتحفظون على ترشيح السيسي أو يرفضون هذا الترشيح صراحة داخل مصر ينتمون الى فئتين: الإخوان المسلمون طبعاً، والجماعات والأفراد الذين ينتمون إلى "اللوبي الأمريكي" في مصر.

بالطبع، أمر الإخوان معروف، هم يريدون ليس الانتقام من السيسي فقط الذي يعتبرونه عدوهم الأول، وإنما يريدون الانتقام من شعب مصر كله.

لكن ماذا عن "اللوبي الأمريكي" في مصر؟

الذي تابع مواقف أفراد هذا اللوبي الأمريكي من جماعات وأفراد في الفترة الماضية من مسألة ترشيح السياسي، سوف يلاحظ ان هؤلاء لا يجرؤون بداية على الطعن في شخصية السيسي أو كفاءته، بل يشيدون بداية به، ثم بعد ذلك يحاولون تأكيد أن رفض ترشيحه ليست مسألة شخصية ، وإنما لها مبررات في تقديرهم.  

بعض هؤلاء يقولون مثلاً إنه لا خلاف على كفاءة ووطنية ومقدرة السيسي، ولكن مصر بحاجة إليه في منصب وزير الدفاع، وليس منصب الرئيس.

وبعض هؤلاء يقولون إنهم أيضاً لا يرفضون السيسي كشخص، وإنما لا يؤيدون ترشيحه، لأنهم يريدون رئيساً مدنياً ويرفضون ما يطلقون عليه "حكم العسكر"، ولأنهم لا يريدون حكماً عسكرياً في مصر.

هؤلاء يظنون أنفسهم أذكياء، ويظنون أنه بمثل هذه المبررات بمقدورهم أن يقنعوا الناس بأن موقفهم في رفض ترشيح السيسي يخدم المصلحة العامة.

حقيقة الأمر أنهم بهذه المبررات يقومون بعملية تضليل فاضح، ويحاولون، من دون أي نجاح يذكر، إخفاء حقيقة دوافعهم وما وراء موقفهم.

من قال إنه إذا ترشح السيسي ونجح وتولى الرئاسة، سوف يعني هذا أن الجيش هو الذي سيحكم، أو أن الحكم سيكون "حكم العسكر" كما يزعمون؟

السيسي رئيسا سيكون رئيساً مدنياً محكوماً بالدستور وبما يكفله من استقلال للسلطات، وبما يضعه من سلطات محددة لرئيس الجمهورية.

حين تولى الجنرال ايزنهاور الحكم في أمريكا بعد فوزه في الانتخابات، لم يقل أحد أن أمريكا أصبح يحكمها العسكر.

وحين تولى الجنرال ديجول الحكم في فرنسا، لم يقل أحد أن العسكر أصبحوا يحكمون فرنسا.

إذن، الذين يقدمون هذه المبررات من اللوبي الأمريكي وغيرهم في داخل مصر وخارجها، يكذبون ويتعمدون التضليل.

ويبقى السؤال مطروحا.

ماذا وراء خوف هؤلاء ورعبهم من يأتي السيسي رئيساً؟

لا يريدون عبد الناصر آخر

ذكرت أعلاه أن الإخوان المسلمين بالطبع، ومعهم جماعات وأفراد من المنتمين أساساً إلى "اللوبي الأمريكي" في مصر يرفضون أن يترشح الفريق السيسي للرئاسة. وأيضاً، تتخذ الموقف نفسه دول أجنبية تدعم الإخوان. وتساءلت: ماذا وراء موقفهم هذا؟. ما الذي يخيف هؤلاء ويرعبهم من ان يترشح السيسي ويصبح رئيساً؟

أفضل من عبر عن جوهر ما يخشاه هؤلاء، ويعبر عن جوهر الأسباب التي تدفعهم إلى اتخاذ هذا الموقف، هو السيناتور الأمريكي البارز (جون ماكين)، عندما قال في معرض تعليقه على التطورات في مصر بعد ثورة 30 يونيو، وتحفظه على ترشح السيسي: لا نريد عبد الناصر آخر في مصر وفي المنطقة.

الكلام نفسه ردده أمريكيون آخرون منهم مثلاً (جاكسون ديل) الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" الذي حذر من أنه "في مصر تتم صناعة عبد الناصر جديد وهو الجنرال السيسي الذي وضع المصريون صورته إلى جوار صورة عبد الناصر".

ويمكن القول أن هذا السبب الذي يقدمه بعض الأمريكيين لتخوفهم من ترشيح السيسي للرئاسة، هو نفسه السبب الذي يثير رعب الإخوان والقوى والجماعات الموالية لأمريكا أو لأي جهة أجنبية في مصر، التي أعربت بدورها صراحة عن رفضها ترشيح السيسي.

لكن ماذا يقصدون بالضبط حين يقولون إنهم لا يريدون عبد الناصر آخر في مصر؟ وما علاقة ذلك بترشيح السيسي؟

هم يعلمون أن السيسي إذا ترشح وأصبح رئيساً لمصر، لا يمكن بداهة أن يكون عبد الناصر آخر. عبد الناصر كان زعيماً لعصره ووقته. ولا أحد يعرف إلى الآن، كيف سيكون أداء السيسي بالضبط في الرئاسة إذا فاز. فهو حتى الآن، ولأنه لم يحسم أمر ترشحه من عدمه، لم يطرح برنامجاً للرئاسة، يمكن على أساسه الحكم عليه.

الحقيقة أن هؤلاء في أمريكا، والذين يتخوفون من ترشح السيسي داخل مصر، حين يقولون انهم لا يريدون عبد الناصر آخر في مصر، فسبب ذلك، أن عدداً من الأمور ارتبطت بالفريق السيسي وموقف الشعب منه جعلت بعض المصريين يقارنونه بعبد الناصر، وهي أمور أثارت رعب هؤلاء.

وثمة جوانب ثلاثة بصفة خاصة في هذا الشأن تثير رعبهم.

أولا: انه لأول مرة منذ عبد الناصر، يظهر شخص في مصر يلتف حوله الشعب المصري بهذا الشكل، ولأول مرة يكون هناك شبه إجماع شعبي على أنه "زعيم" يتطلع إليه الشعب ومستعد للالتفاف حوله لتحقيق آماله وتطلعاته.

منذ عبد الناصر، لم يحظ أحد آخر في مصر بمثل هذه المكانة مثل الفريق السيسي.

والشعبية الطاغية التي حظي بها السيسي في مصر هي، كما كان الحال مع عبد الناصر، شعبية تلقائية غير مصطنعة من جانب كل قوى المجتمع المصري.

ومعنى هذا انه إذا فاز السيسي بالرئاسة، فسوف تكون له قاعدة شعبية تدعمه وتؤيده غير مسبوقة منذ عبد الناصر.

هذه الشعبية هي أكثر ما يثير رعب كل الدول والقوى التي أفصحت عن خوفها من ترشح السيسي.

لماذا؟

لأن لسان حال هؤلاء هو، أن رئيساً له مثل هذه الشعبية الطاغية سيكون لديه من القوة والقدرة ما يمكنه من أن يفعل الكثير، وأن يتصدى ومعه الشعب لأي دولة أجنبية او قوة تضمر الشر لمصر.

وهذه الشعبية التي يحظى بها السيسي تفزع هؤلاء، لأن هذا الالتفاف الشعبي حوله يأتي بعد ثورتين شهدتهما مصر، وأظهر فيهما الشعب المصري إرادة وتصميما وأبهر العالم بقدراته وإمكانياته وما يمكن ان يحققه.

ثانياً: أن السيسي أظهر في الفترة الماضية منذ انحاز الجيش الى ثورة الشعب وأطاح بحكم الإخوان، قوة وعزماً وتصميماً وإرادة وطنية وحساً قومياً، ونزعة استقلالية في اتخاذ القرار والإصرار على الانحياز الى ما يريده الشعب، ورفض أي ضغوط أجنبية من أي جهة كانت.

ومرة أخرى، هذه الخصال تعيد التذكير بعبد الناصر. وهي تثير فزع هؤلاء، فهم لا يريدون لمصر زعيماً قوياً مستقلاً وطنياً له هذه الإرادة الصلبة.

ثالثاً: على ضوء ما سبق، يدرك هؤلاء أنه إذا أصبح السيسي رئيساً، بهذه الشعبية وبهذه الخصال، فسوف ينهض بمصر ويعيدها إلى دورها القيادي في المنطقة. وهم يدركون أنه في ظل زعامة السيسي، لن يكون هناك مكان في مصر للعملاء والخونة وقوى وجماعات "اللوبي الأمريكي" أو غيرها، ولن يكون للقوى الأجنبية المتآمرة على مصر قدرة كبيرة على تنفيذ مخططات الاختراق والتخريب.

باختصار، الذين يرفضون ترشيح السيسي للرئاسة هم قوى الداخل والخارج التي تضمر الشر لمصر ولا تريد لها ان تنهض أو تقوم.

وحين يقول هؤلاء أنهم لا يريدون عبد الناصر آخر في مصر، فهم يقصدون أنهم لا يريدون لمصر زعيماً قوياً وطنياً قومياً قادراً على أن يحشد قوى الشعب المصري كي تحتل مصر المكانة التي تستحقها على خريطة العالم.

13/1/2014