(الصناديق) التي تحبها أمريكا وتريدها!!

السيد زهره

من الواضح أن هناك حالة من الارتباك والخوف، إن لم يكن الرعب، في أمريكا هذه الأيام بسبب التطورات الحالية التي تشهدها مصر.

ونعني تحديداً تطورين كبيرين:

الأول: الاستفتاء على الدستور في مصر، بما يعنيه من تطور حاسم في مسيرة التحول الجديدة في مصر، ومن شرعية شعبية جديدة عبر صناديق الاقتراع للعهد الجديد، ومن كونه بمثابة تصويت شعبي يكرس الشرعية الشعبية لثورة 30 يونيو وإسقاطها لحكم الإخوان.

والثاني: هو الاحتمالات التي أصبحت عالية بأن يترشح وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السياسي لرئاسة مصر.

هذان التطوران أثارا كما ذكرت حالة من العصبية والرعب في أمريكا. وقد تجسد هذا فيما نشرته كبرى الصحف الأمريكية من تعليقات حول التطورين في الأيام القليلة الماضية، وأيضاً في تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين.

من المهم أن نتأمل بعضاً من ردود الفعل والتعليقات في أمريكا على التطورين.

فيما يتعلق بالاستفتاء على الدستور، كان من الملفت والغريب حقاً أن أكبر صحيفتين أمريكيتين، هما "واشنطون بوست" و"نيويورك تايمز"، تعمدتا الهجوم على الاستفتاء قبل أن يبدأ، وشككتا فيه. والأكثر غرابة أن المبررات التي ساقتها الصحيفتان تؤكد موقفاً مسبقاً معادياً لمصر ولإرادة الشعب المصري.

صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت افتتاحية عنوانها "المصريون يصوتون وسط مناخ من الخوف". حين قرأت هذا العنوان، تصورت أنهم يتحدثون عن مناخ الخوف الذي أشاعته جماعة الاخوان بأعمال العنف والإرهاب التي لجأت اليها في محاولة لمنع المصريين من الادلاء بأصواتهم. لكن الصحيفة تحدثت عن "مناخ من الخوف" زعمت أن السلطات تشيعه وذلك بشن اعتقالات. وكأن الاستفتاء كي يكون ناجحاً أو ديمقراطياً كان على السلطات أن تحجم عن اعتقال أي شخص يرتكب جريمة أو يتورط في أعمال عنف وإرهاب.

ونقلت الصحيفة عن نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية حديثه أيضاً عن الانزعاج من الاعتقالات وقوله: "نشعر بانزعاج شديد للتقارير التي تحدثت عن أن أحد الأشخاص تعرض للضرب أثناء اعتقاله".

المثير للسخرية هنا أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لم يشعر بأي انزعاج من أعمال العنف والإرهاب التي تمارسها جماعة الإخوان وعن ترويع المواطنين ومحاولة مصادرة حقهم في الإدلاء بأصواتهم، لكنه منزعج جداً من "أن أحد الأشخاص تعرض للضرب".

الصحيفة نشرت تعليقاً آخر يتحدث عن التضييق على الحريات أثناء الاستفتاء، ودليلهم على ذلك كان توقيف بعض العاملين في قناة "الجزيرة" ومنع بعض الشخصيات من السفر. ومرة أخرى، لم تفسر الصحيفة، ما هي العلاقة بين الاستفتاء وبين منع أشخاص من السفر بحكم قضائي في قضية محددة، أو بناء على اتهامات جنائية محددة تم توجيهها إلى فريق "الجزيرة" بموقف القناة العدائي من مصر والشعب المصري وبتعمدها التضليل والتزييف في تغطيتها.

نفس الموقف اتخذته صحيفة "واشنطون بوست"، نشرت أيضاً افتتاحية تحدثت فيها عما أسمته "الديمقراطية الزائفة" في مصر، وأعادت الحديث الممل السخيف عن "الانقلاب العسكري على الديمقراطية" وعن ضغوط مزعومة تمارس على المواطنين.

والعجيب أن الصحيفة لم تجد مبرراً تشكك به في الاستفتاء سوى القول بأن "المراقبين من المعهد الديمقراطي الأمريكي تم طردهم من مصر". وتجاهلت الصحيفة أن المعهدين تآمرا على مصر وأدانهما القضاء المصري. كأن لسان حال الصحيفة، هو أن الاستفتاء لن يكون مقبولاً إلا إذا راقبته هذه المؤسسات الأمريكية المتآمرة.

أما عن الموقف في أمريكا من مسألة ترشح الفريق السيسي للرئاسة، فمن الواضح أن هذا الأمر مصدر رعب شديد لهم بدوره، وثمة تقارير تتحدث عن ضغوط تحاول الإدارة الأمريكية ممارستها عبر قنوات شتى لمحاولة منع هذا الترشيح.

وكان ملفتاً أن محللاً أمريكياً هو (ستيفين كوك)، نشر في موقع (مجلس الشئون الخارجية)، وهو مركز الأبحاث المعروف في أمريكا تحليلاً عنوانه "لا تترشح يا السيسي.. لا تترشح". وهو يزعم أن تولي السيسي الرئاسة سوف يكون أمراً سيئاً لمصر، وسيئاً للجيش المصري، وسيئاً للسيسي نفسه.

طبعاً من حق أمريكا والمحللين الأمريكيين ألا يعجبهم السيسي وأن يتمنوا ألا يترشح للرئاسة، ولكن لماذا يتجاهلون إرادة الشعب المصري نفسه؟ لماذا لا يحترمون إرادة الشعب ويحترمون حقه في ان يختار السيسي إذا أراد عبر صناديق الانتخاب؟

حقيقة الأمر أن الموقف الأمريكي من التطورين في مصر على هذا النحو يأتي ليفضح مجدداً حقيقة موقف أمريكا من الديمقراطية ومن صناديق الاقتراع واحترامها على النحو الذي يتشدقون به باستمرار.

أمريكا تحب صناديق الاقتراع، وتحب الديمقراطية والانتخابات، ولكن بشرط واحد، هو أن، تأتي هذه الصناديق بعملاء أمريكا، وأن تكون العملية برمتها في إطار الأجندة الأمريكية وفي خدمتها.

هذه هي الصناديق التي تحبها أمريكا وتريدها. أما الصناديق التي تعبر فعلاً عن إرادة الشعب، وتجسد إرادة وطنية مستقلة، فهذه صناديق لا تحبها أمريكا ولا تريدها.

19/1/2014